تحيط بالبشرية مخاطر قائمة وتحديات قادمة إذا تأملناها وجدنا أننا جميعًا فى قارب واحد تتقاذفنا أمواج عالية ورياح عاتية لا يكاد الإنسان يستطيع التمييز بين الاستغراق فى التشاؤم والأمل والتفاؤل، وأنا ممن يعتقدون أن مستقبل الجنس البشرى سوف يكون أفضل من حاضره، لأن التقدم هو ركيزة الوجود وفلسفة الحياة وجوهر استمرارها، ولكن ظهرت فى العقود الأخيرة مجموعة من العوامل تحمل فى طياتها ما يستدعى الاهتمام الشديد والمتابعة الجادة إذا كنّا نؤمن باستمرار الحياة وتجدد الخلق، وهذه العوامل تكمن فى تحدياتٍ ثلاثة بدأت مخاطرها بالفعل، وسوف تستمر بلاشك فى العقود القادمة ما لم يتنبه البشر إلى نتائجها التى تطل علينا من كل اتجاه:
أولًا: إننا نعترف بأن التكنولوجيا الحديثة هى نعمة للبشرية تؤدى إلى تيسير الحياة وتسهيل التواصل نتيجة الارتقاء بوسائل الاتصال، ولكننا نؤمن فى الوقت ذاته بأنها نقمة على العلاقات الإنسانية المباشرة والروابط الأسرية المستقرة، فالتكنولوجيا الجديدة هى بحق سلاحٌ ذو حدين يحمل فى طياته ما يبشر بالأمل، كما يحمل أيضًا بين نتائجه ما يدعو إلى الخوف والقلق، ويكفى أن نتأمل الدراسات البيولوجية المتقدمة فى معامل الغرب والشرق على السواء، حيث تجرى محاولاتٌ مضنية فى سباقٍ مع الزمن لتخليق كائناتٍ جديدة، وكأننا فى تنافس مع الخالق سبحانه وتعالى، وقد أعمت متعة الانتصارات العلمية قلوب العلماء وعقول الباحثين وأصبحوا يلهثون جميعًا وراء النتائج المبهرة وعمليات الاستنساخ التى لا حدود لها، وفى ظنى أنها يجب أن تخضع كلها للقيم الأخلاقية والمعايير المستمدة من الأديان الكبرى والفلسفات المؤثرة فى مسيرة البشر وحياة الإنسان، إننى لا أعترض مثلًا على دراسات الذكاء الاصطناعى وإنتاج الروبوت الذى يساعد الإنسان فى كثير من المهام الدقيقة والأعمال التى يكفل بها راحته وسعادة الأجيال المقبلة، ولكن الذى يقلقنى تحديدًا هو عمليات التخليق البيولوجى بكائناتٍ من بينها فيروسات وميكروبات تترصد الجنس البشرى ولا تريد للإنسان خيرًا. ولعل أكثر ما يثير القلق هو أن الاستغراق فى هذه الأبحاث قد أخذ شكلًا تنافسيًا محمومًا وأصبح خطرًا داهمًا على الكائنات الحية بغير استثناء، ولعل ما جرى مؤخرًا من انتشار وباء الكورونا الذى ترك آثارًا تفوق الحروب العالمية وأدى إلى توقف نسبى للحياة فى كافة المجالات يعد إنذارًا للإنسان بأنه يتعرض للإبادة على يد الإنسان نفسه.
ثانيًا: إن قضايا تغير المناخ وتلوث البيئة وطغيان البحار على شواطئ اليابسة، فضلاً عن مشكلات الطاقة وتراجع مصادر الغذاء مع الزيادة المفرطة فى أعداد المواليد صنعت فى مجملها قنابل موقوتة تُنذر بأخطار جسام على مستقبل الكائنات الحيّة فى كل مكان، لذلك فإننا نرى أن البحث العلمى ضرورة للحفاظ على التنمية المستدامة، بشرط أن يخضع لمعايير وقواعد تلتزم بأخلاقيات الحياة وفلسفة الوجود.
ثالثًا: إن الصراعات بين الأمم والشعوب والمنافسات بين الحضارات والثقافات هى أمور ورثتها البشرية منذ طفولة الإنسان، ولكن تطورها فى ظل خطاب الكراهية ومحاولة هدم الآخر ورفع شعاراتٍ تقول: (لكى أحيا فلابد أن يموت غيرى)، هذه الرؤية المدمرة تحمل فى طياتها عذاباتٍ بلا حدود لا يستطيع أحدٌ أن ينال منها أو يؤثر فيها، فالتعايش والتضامن والتعاون هى مقومات البقاء، أما الصراع والصدام والتعصب فهى عوامل الفناء، ولا نكاد نذكر عبر التاريخ نماذج لحملاتٍ جماعية لصنع الكراهية مثلما هو الآن تحت مسميات متعددة، بدءًا من الإسلاموفوبيا، مرورًا بعداء السامية، وصولًا إلى كل المشاعر التى تقوم على التعصب وتذكى التوجهات العنصرية الكامنة فى أعماق البشر.
هذه بعض الهواجس التى تعشش فى وجدان الإنسان المعاصر وتجعله فريسة للخوف من المجهول والقلق تجاه المستقبل وتدفعه دفعًا إلى البحث فى الإيجابيات والسلبيات لكافة الظواهر، مع إحساسٍ عميق بضرورة تضافر جهود الجنس البشرى لإنقاذ القارب المشترك بدلاً من أن يغرق الجميع ولن يطفو منه أحد، فالحياة شراكة والوجود يقوم على ثقافة التجمع والارتباط والانصهار فى بوتقة الإنسان الواحد خليفة الله فى الأرض.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2354051