اقتحم الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى مشكلات مصر المزمنة والمعقدة فى جسارةٍ وتصميم، وقام بذلك على جبهة عريضة من المشكلات الاقتصادية والسياسية والثقافية، ودخل فى معركةٍ طويلة من أجل البناء والعمران وتشييد دعائم مصر المستقبل، وحقق فى ذلك نجاحًا لم تعرفه مصر من قبل، وذلك يذكرنا بالـHard ware فى أجهزة الكمبيوتر والفارق بينه وبين الـSoft ware، فالرئيس الذى حقق نجاحات كبيرة فى بناء الحجر أى الـ Hard ware هو نفسه الذى يسعى للقيام بإعادة بناء المنظومة الصحية والكيانات التعليمية فى البلاد، مع عناية خاصة بالثقافة العامة والفنون والآداب.
وهو بذلك يستكمل ملامح المسيرة، ويسعى إلى أن تحلق مصر فى سماوات الانطلاق والنهوض رغم العقبات اليومية التى توضع أمامنا والمشكلات التى يصنعها خصوم مصر، بل وأعداؤها، فقد اكتشفنا فى أزمة سد النهضة أن هناك مشاعر مكتومة ومصالح معقدة تثبت أن مواقف الدول- حتى الصديقة بل والشقيقة- ليست كما ورثناها عبر العقود ضمن أدبيات العلاقات الدولية المعاصرة أو الارتباطات الإقليمية القائمة، لذلك فإن مصر القوية داخليًا هى ذاتها صاحبة الدور الإقليمى والمكانة الدولية فى كل الأحوال.
وتسعى الدبلوماسية المصرية جاهدة إلى فتح قنوات تواصل مع دول العالم المختلفة بعد إدراكنا- من أزمة سد النهضة- أنه لابد من مراجعة الكثير من مواقف الدول، فى محاولة منا لصنع شبكة مصالح مع بعض الدول الكبرى ومعظم الدول الإفريقية، لقد تمكنت الدعاية الإثيوبية الكاذبة من خلق وهم لدى كثير من الدول بأن مصر تريد أن تستحوذ على كل شىء وتترك الشعب الإثيوبى فى مجاعات متكررة!. وفى ظنى أن تلك عملية ابتزاز مكشوفة لجأ إليها نظام آبى أحمد لكسب التعاطف وتزييف الحقائق، ولذا لازلت أرى أن الذى استطاع أن يروض الحجر قادر أيضًا على تنمية البشر، فمصر القادرة والفاعلة هى السند الوحيد لمصر الحضارة ومصر النهضة، من هنا فإن السياسة الخارجية المصرية تعلمنا أحيانًا دروسًا للداخل تقوم على رؤية مستنيرة وبصيرة نافذة وخيال إيجابى فعال يضع أمامنا خريطة المستقبل واضحة وكاملة، وقد يكون من الأوفق أن أطرح هنا ملاحظتين ترتبطان بواقعنا الحالى:
الأولى: إن السياسة الخارجية لأى دولة هى امتداد طبيعى لسياستها الداخلية فالارتباط بينهما قوى، ولنتذكر أن الرئيس الراحل السادات عندما رأى مغازلة الغرب عمومًا والولايات المتحدة خصوصًا كان هو الذى طرد الخبراء السوفييت من الجيش المصرى فى صفعة لا تنساها موسكو حتى لو تحولت روسيا من السوفيتية إلى الاتحادية، فقد كان الرئيس السادات يسعى لتقديم أوراق اعتماد مصرية جديدة للإدارة الأمريكية وقتها، فأجرى تغييرات داخلية وتحولات ملموسة فى الاقتصاد والسياسة والحياة الحزبية والنيابية لأنه كان يدرك أن واشنطن ستقرأ الموقف من خلال المنظور المعروف بالارتباط بين السياستين الداخلية والخارجية وذلك فى محاولة للتعرف على السياسة المصرية بعد رحيل عبد الناصر التى على ضوئها تحددت طبيعة العلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن فى الخمسين عامًا الماضية.
وعلى ضوئها أيضًا انتهى التحالف الاستراتيجى الذى كان يربط مصر بحكومات موسكو فى كل المراحل، وهو أمر وضح انعكاسه جليًا فى الموقف الروسى تجاه سد النهضة الإثيوبى برغم أن الظاهر كان يوحى بغير ذلك فى التعاون بيننا وبين الروس فى بناء محطة الضبعة النووية، أما الصين فهى تقتحم إفريقيا من كل اتجاه وترى فى إثيوبيا دولة بكر سياسيًا يمكن أن يؤدى النفوذ الصينى فيها إلى ما تتطلع إليه بكين.
الثانية: إن مصر دولة (منظورة) إذا جاز التعبير يقف منها الكثيرون وقفة عجيبة بين الحب والكراهية وربما أحيانًا الغيرة المكتومة، ذلك أن التاريخ والجغرافيا قد منحا مصر خصائص تنفرد بها وتتشكل منها هويتها منذ العصر الفرعونى حتى الآن، وما أكثر الحاقدين عليها والحاسدين لها رغم أن شعبها قد عانى عبر القرون ما لم تعرفه أمم كثيرة وشعوب أخرى، والكثيرون يستكثرون على مصر تلك المنح الإلهية الرائعة، لذلك فإن خصوم الكنانة يزايدون عليها بانتقادات عبثية لشعبها وافتراءات كاذبة على آثارها، لأن المصرى القديم هو الذى بنى الهرم كما أن المصرى الحديث هو الذى حفر قناة السويس وبنى السد العالى، ونحن نقول للجميع إن مصر باقية، ثابتة، صامدة اليوم، وغدًا، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2382532