عندما أتابع حركة التجديد والتحديث فى البنية الأساسية للدولة المصرية خلال السنوات الأخيرة، أشعر بأن نقلة نوعية قد بدأت فى كافة المرافق والخدمات، فعندما نشاهد الجسور والكبارى والأنفاق والطرق السريعة والأبنية الرائعة، فإننى أتساءل عندئذٍ بينى وبين نفسى: ترى هل ستظل هذه الإنشاءات بهذا الرونق بعد سنوات قليلة؟ ولا يخامرنى شك فى أننا شعب لم يتعود على ثقافة الصيانة، فنحن نقيم المبنى ونتركه للزمن، ونُعبِّد الطرق ونتركها سنوات طويلة دون أن تمتد إليها أيدينا بالصيانة أو التجديد، وأظن أن ثقافة الصيانة لا تبدو متأصلة فى تفكيرنا ولا متجذرة فى عاداتنا، فنحن نتوهم أن مجرد إقامة المبنى أو تعبيد الطريق أو تشييد الجسر يكفى فى حد ذاته، ولسنا مطالبين بأكثر من ذلك، وما أكثر الإدارات الحكومية التى تحتل شققًا فى أبنية ضخمة، فإذا دخلتَها الآن يصيبك الإحباط وينتابك شعور اليأس لأنه ليس هناك مَن يهتم بالتجديد أو الصيانة أو حتى التنظيف، ولعلنا نطرح هنا ملاحظات ثلاثًا:
أولًا: لقد شهدنا فى دول عديدة كيف يقوم العاملون فى مكان معين بتنظيفه والاهتمام به، كما لاحظنا أن مديرى الإدارات ورؤساء الهيئات وقادة المؤسسات يقومون بأنفسهم بالبدء فى ذلك العمل ليكونوا قدوة لغيرهم، وبذلك تستقر فى أعماق الأجيال الجديدة ثقافة الصيانة كجزء لا يتجزأ من أسلوب التفكير وطبيعة العمل.
ثانيًا: إننى ممن يظنون بحق أن الشكل تعبير عن المضمون، إذ إنه ليس صحيحًا أن نقول إن التجديد والتنظيم والصيانة هى أمور ثانوية لا علاقة لها بالمحتوى الذى نعمل من أجله، معتبرين أن التركيز على الجوهر هو كل المطلوب، وقد غاب عنّا فى هذه الحالة أن المظهر والجوهر متلازمان، فلا يمكن أن يكون مكان مَصُون ومُجدَّد مظهرًا لمضمون هزيل أو أداء ضعيف، فالمظهر والجوهر كل منهما يشير إلى الآخر ويدل عليه، فى علاقة طردية متبادلة.
ثالثًا: إن الصيانة هى عملية توفير حقيقية، فالمبنى الذى نصونه يظل على كفاءته ورونقه لسنوات أطول من ذلك الذى نشيده ونتركه لعوامل التعرية دون تدخل أو إصلاح، وعلينا أن ندرك جيدًا أن صيانة جسر جديد أو طريق واسع أو نفق ضخم إنما توفر علينا وعلى خزانة الدولة أموالًا كثيرة قد نضطر إلى إنفاقها من أجل إنشاء بديل جديد، حيث تهالك القديم بعد سنوات قليلة ولم يعد يُجدى معه إصلاح أو صيانة.
إذا كنا نعترف بأننا نفتقر إلى ثقافة الصيانة فإنه يتوجب علينا فى الوقت نفسه أن نسعى دائمًا إلى إعادة صياغة تفكيرنا وأساليب حياتنا بحيث نكون قادرين على المضى فى طريق مأمون يحافظ على المال العام ويحرص على كفاءة المنشآت فى كل الظروف. إذ إننا يجب أن ندرك دائمًا أن سيارتك تعيش أطول مدة إذا كنتَ معنيًا بالحرص عليها ومد يد الإصلاح إليها، بينما يمكن أن تتدهور فى خلال عمر قصير نتيجة غياب الصيانة عنها أو التجديد لما يتهالك منها، ويا ليتنا نقول لأبنائنا فى المدارس إن صيانة الأشياء تعطيها عمرًا أطول وهى تعبير عن فكر أعمق، ولماذا نذهب بعيدًا، فالمدارس اليابانية على سبيل المثال تُلزم طلابها بتنظيف فصولهم ومكاتب أساتذتهم وصولًا إلى دورات المياه حتى يدرك الطفل أنه لابد أن يعيش فى بيئة نظيفة وصيانة دورية لا تتوقف للمنشآت.
ولو أننا التزمنا بذلك لوفرنا على أنفسنا جهدًا كبيرًا وقضينا على عشوائية التفكير والإهمال المعتاد فى التنفيذ فى حياتنا، ليتنا نبدأ الآن بذلك قبل أن نفقد الكثير من ثرواتنا العقارية وإمكاناتنا المادية ومنشآتنا الحيوية، فالصيانة هى حياة كل المرافق، وهى عمر جديد لها وحماية للمنشآت والأبنية، كما أنها تدريب عقلى مهم على التجديد والتنظيم والترتيب.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2403685