التقيت بالأمير تشارلز، ولى عهد بريطانيا، فى ثلاث مناسبات كبيرة، كانت الأولى منذ عشرين عامًا على مائدة عشاء أقامها السفير البريطانى فى القاهرة تكريمًا لولى عهد بريطانيا الذى كان يزور القاهرة حينذاك، وكانت المرة الثانية عام 2006 عندما كنت فى استقباله بالجامعة البريطانية فى مصر يوم افتتاحها باعتبارى أول رئيسٍ لها، ثم جاءت المناسبة الثالثة فى التاسع عشر من نوفمبر 2021 بعد خمسة أيام من عيد ميلادنا المشترك- هو وأنا- وقد صادف يوم زيارته للمكتبة عيد ميلاد الرئيس السيسى، وفى حوارنا وجدته عارفًا بذلك، معبرًا عن امتنانه بالحفاوة التى لقيها هو والسيدة قرينته فى مصر رئيسًا وشعبًا، وقد دار بيننا حوار طويل وحديث مستفيض أثناء الجولة التى رافقته فيها بمكتبة الإسكندرية، التى أتشرف أن أكون مديرها، وقد لاحظت فى الأمير البريطانى اهتمامه بالديانات السماوية، مع تركيز خاص على الإسلام.
وقد ذكّرته بما حدث معه يوم افتتاح الجامعة حينما سألته عن سبب اهتمامه بالتراث الإسلامى والحضارة العربية، فأجابنى بأن ذلك يرجع إلى اهتمامه بالعمارة الإسلامية والطرز الفريدة التى تعبر عنها، لذلك بدأ القراءة فى التراث الإسلامى عمومًا، وتمتع بنظرة عادلة تجاه الإسلام واحترام كل الديانات لما جاءت به من قيم وفضائل وما حملته من دعوات إنسانية مشتركة تقوم على التسامح واحترام الآخر، وعندما دخلنا سويًّا متحف المخطوطات، الفريد من نوعه فى المنطقة كلها، لفتت نظره الأسفار اليهودية القديمة والكتب المسيحية المخطوطة، وكذلك النسخ الأولى للعهدين القديم والجديد ثم القرآن الكريم، المطبوع بعد أن وصل يوحنا جوتنبرج إلى اختراع المطبعة، ثم تطرق إلى القطع القديمة من كسوة الكعبة، كما تفقد المحمل الشريف، وقال لى باللغة العربية: هذه هى (الكسوة)، وألقى نظرة على معمل الترميم، الذى تنفرد به مكتبة الإسكندرية، واطّلع على الأعمال الكاملة لشكسبير، وهى المجموعة التى أصدرتها المكتبة فى العيد المئوى الرابع لرحيله.
وأشار، فى حديثه معى، إلى مركز العمارة الذى أنشأه فى لندن لمتابعة ذلك الفن عبر العصور باعتباره تعبيرًا حضاريًّا يحمل الماضى بآثاره الضخمة ومنشآته الباقية، ثم أشار إلى مدرسة الفسطاط التى أقامها فى القاهرة لخدمة الأغراض الثقافية التى يدعو إليها وتفضل، فدعانى إلى زيارتها فى أقرب وقت بسبب الاهتمام المشترك مع مكتبة الإسكندرية فى هذا الشأن، كما التقت السيدة قرينته «كاميلا»، دوقة كورنوال، بمجموعة من الأطفال المصريين، وطالعت معهم إحدى القصص، كما سمعت تعبيراتهم، والتقت أيضًا بمجموعة من شباب كُتاب الإسكندرية، الذين تحدثوا معها فى قضايا ثقافية تهتم بها، وقد دعوت الأمير أثناء اللقاء إلى إلقاء نظرة على ساحة القراءة بالمكتبة- وهى الكبرى فى العالم- فأبدى دهشته وإعجابه الشديدين، وسأل عن المترددين عليها، وماذا فعلنا لمواصلة رسالة المكتبة فى ظل ظروف جائحة كورونا، وحدّثته عن الإجراءات الاحترازية التى اتخذناها فى العامين الماضيين.
كما تفقد الأمير والسيدة قرينته متحف الآثار الفرعونية والإغريقية والرومانية، وعرف أن المكتبة الحالية التى جرى افتتاحها عام 2002 تقع فى المكان نفسه الذى كانت فيه المكتبة القديمة منذ أكثر من ألفى عام قبل احتراقها، وقد أهديناه صفحة تاريخية من البردى، كان أصلها مستخدمًا فى مكتبة الإسكندرية القديمة، وقد تفقد الأمير بعض الآثار التى جرى اكتشافها أثناء الإعداد لبناء المكتبة، ومنها لوحات يونانية، فى حالة جيدة، تتميز بالدقة الشديدة فى رسمها ونحتها، ثم سأل الأمير عن الآثار الغارقة، واستمع إلى جهود المكتبة وفريق البحث فيها ووجود متخصصين لهذا النوع من الآثار تحت مياه البحر، وبينما كان الأمير يجوب أرجاء المكتبة.
كانت فرقة من العازفات الصغيرات يصدحن بموسيقى جميلة خلقت جوًا يعبر عن الرقى المصرى والاهتمام بالفنون إلى جانب الآثار والآداب والعلوم، فمكتبة الإسكندرية هى حافظة التراث وحاضنة الوثائق وراعية الآداب والفنون، وعند انتهاء الزيارة اتجه الأمير والسيدة قرينته نحو شاطئ الإسكندرية، حيث استقبلته مجموعة من الشباب فى حوار موجز حول رحلته، التى وعد بتكرارها وزيارة المكتبة فى مساحة زمنية أطول، وغادر منطقة (بلازا المكتبة) هو والسيدة قرينته، متجهين إلى المطار فى طريق عودتهما إلى وطنهما، بعد رحلة ناجحة فى مصر، ختماها بمكتبة الإسكندرية، حيث كنت أنا وزملائى فى توديعهما على النحو الذى يليق بهذين الضيفين المتميزين، خصوصًا أننا كنا نعلم صرامة البروتوكولات المعمول بها فى تقاليد البلاط البريطانى.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2468795