عبارة أطلقها العاهل الأردنى الراحل الحسين بن طلال توصيفًا للحالة الأردنية وما يتصل بالمناصب الوزارية وعضوية مجلسى الأعيان والنواب لأن الشعب الأردنى فى معظمه يراعى التوازنات العشائرية والقبلية والجهوية ضمانًا لتماسك المملكة ورضا الجميع على العرش المحبوب، وأتذكّر شخصيًا أننى كنت فى زيارة للأردن منذ أكثر من عشر سنوات ودعيت أنا والوفد المرافق لى لمقابلة الملكة رانيا العبد الله خصوصًا أن مديرة مكتبها السيدة رانيا عطا الله كانت إحدى تلميذاتى بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وبعد أن انتهت المقابلة وخرجت وجدت من ينظر إليّ فى تفحص ثم ينظر إلى اسمى المدون أمامه ليأخذنى بالأحضان فى ودٍ ظاهر ومحبة صادقة، وقال لي: يا أستاذ ألا تعرفني؟! إنك الذى قدمتنى لمكتب جامعة الدول العربية فى الهند لأعمل هناك فى نهاية سبعينيات القرن الماضى ولقد أكملت دراستى وحصلت على الدكتوراة ومازلت أتذكرك أنت وأسرتك لأننى كنت أساعد ابنتيك الصغيرتين فى اللغة العربية مجاملة لك وحبًا فيك، وعندما تفرست وجهه تذكرته جيدًا فهو السيد فيصل الرفوع الذى كان يدرس فى الهند طالبًا أردنيا مجتهدًا معروفًا لدى الجميع، وعندها سألته فى فضول: وماذا تفعل الآن، ما وظيفتك؟ قال لي: إننى وزير الثقافة الأردنية، وظل ملازمًا لى طوال الزيارة فى كرمٍ وأدب شديدين وهى صفاتٌ اشتهر بها الأردنيون، وعندها تذكرت عبارة الملك الراحل الذى كان يوزع أرفع الحقائب الوزارية والمناصب البرلمانية والمواقع المهمة فى الدولة فى محاولة إرضاء الجميع وكسب ولاء شعبه المتميز وهى سنة درج عليها أيضًا الملك الحالى عبد الله بن الحسين كما أن العامل الوراثى يلعب دورًا واضحًا فى ذلك أيضًا، وأتذكر أننى التقيت السيد سمير الرفاعى الذى أصبح بعد ذلك رئيسًا لوزراء الأردن وقلت له: إنك ابن رئيس وزراء هو شخصية تاريخية رافقت الملك حسين فى رحلته من بدايتها إلى نهايتها وهو السيد زيد الرفاعى الذى كان سفيرًا فى لندن – وابنًا لرئيس وزراء راحل أيضًا هو سمير الرفاعى الجد- وذلك عندما كنت دبلوماسيًا فى السفارة المصرية فى مطلع سبعينيات القرن الماضى، وأضفت للسيد سمير الرفاعى أن عمه عبد المنعم الرفاعى كان سفيرًا فى القاهرة وطهران وأصبح بعد ذلك رئيسًا للوزراء أيضًا، كما أن جده لأمه هو السيد بهجت التلهونى الذى كان رئيسًا للوزراء أيضًا معروفًا بقربه من مصر الناصرية، فهذه الزمرة من المناصب الرفيعة تجتمع فى أحد فروع العائلة العريقة، والأردن دائمًا بلد الأسماء الكبيرة والشخصيات المرموقة على امتداد ما يقرب من قرنٍ كامل، وأتذكر ارتباط ذلك البلد العزيز بمصر التى درس فيها الملك حسين فى كلية فيكتوريا فى أواخر أربعينيات القرن الماضى، وقد حكى أمامى السيد زيد الرفاعى عن نادرة مشهورة عندما ترك الكلية هو وزميلاه ذات مساء للنزهة فى شوارع المعادى وحلوان على مقربة من مقر إقامتهم وشك حينها البوليس المصرى فى هؤلاء الشبان الثلاثة واستوقفهم فى الطريق إلى المخفر، وسأل زيدا من أنت؟ فقال إنه ابن سمير الرفاعى رئيس وزراء الأردن، وسأل الثانى من أنت فقال إنه ابن الشيخ ياسين وزير مالية السعودية، وسأل الثالث وكان والده يحمل اسم النحاس فى وقت كان فيه النحاس باشا هو رئيس وزراء مصر، فحسبهم الشرطى سكارى يمزحون معه، وكاد يتخذ ضدهم إجراءً لولا أنه تأكد فى اللحظة الأخيرة من صدقهم بحكم بطاقاتهم المدرسية، هكذا كانت مصر وكانت الحياة الدافئة فيها، ولقد رأيت بعينى على شاشات التلفزة السيد زيد الرفاعى وهو يودع عهدًا ويبدأ عهدًا جديدًا متحدثًا إلى مجلسى الأعيان والنواب يقدم الملك الجديد (صاحب الحضرة الهاشمية) على حد تعبيره بعد وفاة رفيق عمره صاحب الجلالة الحسين، ويومها طوى الأردن صفحة مضت وبدأ فى تسطير صفحة جديدة للعرش الهاشمى الذى ارتبطت به البلاد باستقرار نسبى رغم حساسية موقع المملكة الأردنية والظروف الصعبة التى تمر بها والتحديات التى أحاطت بها عبر السنين، ومازلت أذكر أن صديقى العزيز هانى الملقى الذى كان سفيرًا فى القاهرة مرتين ووزيرًا للخارجية ورئيسًا للحكومة الأردنية كان هو الآخر ابنا لرئيس وزراء سابق هو فوزى الملقى الذى كان أول سفير للملك عبد الله الأول فى القاهرة، وقس على ذلك أسماء أخرى لبيوت مثل المجالى والمفتى والتل واللوزى وغيرهم من الأسماء العريقة حول العرش الأردنى، أفلا يستحق كل هؤلاء أن يخاطبهم ملك البلاد بقوله (معالى الشعب الأردني)؟ إننى أكتب هذه السطور تحية لبلد نعتز به ونقدر أسماء كبيرة فيه بعدما زار ولى العهد القاهرة مؤخرًا تدعيمًا للعلاقة الوثيقة بين البلدين متذكرين أيضًا اسمًا محترمًا فى عالم الثقافة والفكر وأعنى به الأمير الحسن بن طلال الذى تشرفت بالقرب منه فى مناسبات كثيرة فى مصر والأردن وفى فيينا عندما كنت سفيرًا لبلادى فيها، كما أن لى صديقا كان يجرى حديثًا معى فى تليفزيون عمّان منذ عدة سنوات وفى اليوم التالى جرى تعيينه وزيرًا للداخلية وهو الصديق العزيز سمير حباشنة وكأن وجهى كان فاتحة خيرٍ على شخصه الكريم، ومازلنا على تواصل ثقافى وإعلامى حتى اليوم.
.. هذه خواطر محبٍ للشعب الأردنى ومقدر لمكانة الأردن عربيًا ودوليًا وصموده تاريخيًا، نعم إنه يستحق بعد ذلك كله أن يكون معالى الشعب الأردنى.
جريدة الأهرام
https://gate.ahram.org.eg/daily/NewsQ/834038.aspx