أتابع أخبار اللاجئين والنازحين من مختلف الدول التى تشهد نزاعات مسلحة فى القارات المختلفة وعلى الحدود الفاصلة بين دولهم ودول الجوار، وكلما قرأت خبرًا أو رأيت مشهدًا من مشاهد المعاناة التى يتعرض لها هؤلاء اللاجئون وأولئك النازحون أشعر بأن حضارة العصر تضرب فى مقتل، وأن الإنسانية بمدلولها الواسع تنزف دمًا، وكم رأينا جثث أطفال على شواطئ البحار وتابعنا بكل ألم ما يتعرض له أولئك الذين أجبروا على ترك أوطانهم فى مواجهة الطبيعة القاسية والبرد غير المحتمل والأمطار المنهمرة وهم يعيشون فى العراء تقريبًا يعانون الجوع والعطش والألم والمرض فى مشهد حزين تحت سمع وبصر أمم الأرض وشعوبها، بل ما أكثر ما سمعنا من أحداث مخزية وتجاوزات مؤلمة تطعن حقوق الإنسان كل يوم، بل إن الأمر المؤلم أكثر هو أن قضايا اللاجئين والنازحين يجرى المتاجرة بها بين بعض الدول كما يستغلها عدد من الزعامات للترويج لسياساته على حساب الدماء والآلام التى ترتبط بتلك المجموعات البشرية الغاضبة صمتًا، والحزينة منظرًا، والتى تشكو دون مجيب وتتألم دون ردود فعل قوية من جانب الإنسانية المتقدمة، وها نحن نقترب من نهاية الربع الأول من القرن الحادى والعشرين وتنطوى قضية اللاجئين والنازحين على أبعاد متداخلة تلعب فيها الضمائر الضعيفة دورًا بارزًا يؤدى فى النهاية إلى أن يدفع الأبرياء الثمن نتيجة أخطاء الحكام، وديكتاتورية أصحاب القرار، ودموية النزاعات المسلحة فى أنحاء كوكبنا الأرضى، فكم من ديكتاتور أذل بلاده وشتت شعبه ودفع بهم إلى مسالك الهروب فى الصحارى وعلى متن سفن بحرية هزيلة تتاجر بأحوال اللاجئين وتشترى عجز النازحين فتكون النتيجة هى تلك المظاهر الحزينة والمشاهد الصادمة، ويهمنى أن أسجل هنا بعض الملاحظات المتصلة بملف اللاجئين والنازحين:
أولًا: إن الشعوب تدفع ثمن فساد قياداتها وتورطهم فى ديكتاتوريات حمقاء بلا مبرر على نحو يستنزف قدرات المجتمعات ويعصف بحقوق الشعوب ويؤدى إلى اضطرابات تصل للنزاع المسلح والحرب الأهلية ويكون الضحايا هم اللائجين والنازحين فى النهاية، ولذلك فإننى أظن أن أنظمة الحكم فى الدول التى يخرج منها اللاجئون هى المسئولة قبل غيرها عما يجرى لشعوبها بحيث لا نكاد نجد حكمًا رشيدًا يطيح بأبنائه عبر الصحارى والبحار إلا إذا كان ذلك النظام فاقدًا لمصدادقيته عابثًا باستقرار شعبه، فالمسئولية الأولى تقع على الحاكم الذى يؤدى اضطراب حكمه إلى لجوء أبناء الوطن إلى خارجه ونزوح البعض الآخر إلى غير قراهم ومدنهم خوفًا من بطش الإرهاب أو سطوة الحكام أو سوء السياسات.
ثانيًا: إن ضعف بنية الاقتصاد الوطنى تسهم فى دفع الطبقات الأكثر عددا والأقل دخلا لكى تبحث عن بدائل فى ظل الأوضاع الصعبة، وهو ما يعنى أن الدول المصدرة للاجئين والنازحين يكون قد تم تخريب اقتصادها وترويع سكانها، ولقد جاء فى الذكر الحكيم (فليعبدوا رب هذا البيت الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) وحين يفتقد المواطن العادى عنصرى الأمان والطعام فإنه يمضى على طريق الهلاك الذى لا مناص فيه من الهجرة المكانية فى أسرع وقت طلبًا للحياة ومضيًا مع غريزة البقاء.
ثالثًا: لقد لاحظنا أن العالم الإسلامى يستأثر بأكبر نسبة من اللاجئين والنازحين، وذلك يعنى أن هذه الأمور تصل بأصحابها للدرك الأسفل وتشوه صورة الإسلام وتجعل الإرهاب الدينى طرفًا لايمكن تجاوزه، فهاهم النازحون فى ميانمار وعلى الحدود السورية وفى داخل اليمن، ومواجهة ذلك يحتاج إلى قرارات شجاعة لمواجهة الظروف الصعبة التى طرأت على نظم الحكم المتهالكة والتى فرطت فى خيرة أبنائها وشردت نساءها وأطفالها على نحوٍ يدمى القلوب ويجرح المشاعر.
رابعًا: إن اللجوء والنزوح هما وجهان لعملة واحدة هى عملة القلق والخوف، فيها تنسكب الدموع وتتناثر الدماء مادام العنف هو سيد الموقف، لذلك فإننا نظن صادقين أن مسئولية الطبقة السياسية فى أى بلد هى مسئولية حقيقية لايمكن تجاوزها، ويتعين على الحاكم فى هذه الحالة أن يمضى مع شعبه حتى نهاية المطاف لكى يحميه من ظروف صعبة ومعاناة شديدة وأوجاع لاتنتهى.
خامسًا: إننا لاننكر أن المنظمات الدولية حاولت كثيرًا أن تقلل من معاناة اللاجئين والنازحين، ولكن الدعم المالى وحده لايكفى، فالأطفال فى حاجة إلى الأمان المعيشى والحنان الأسرى وليس إلى الفزع الدائم والخوف المقيم فى أعماقهم وهم يرددون أسئلة بريئة فى محاولة لتفسير وفهم ما يدور حولهم ولكن لا يجيب أحد. إن محنة اللاجئين وأزمة النازحين إنما هى تعبير عن النتائج الطبيعية للنزاعات المسلحة وانعكاس الإشكاليات المحيطة بذلك، ولندرك جميعًا أن ما يجرى للاجئين وما يحدث للنازحين هو وصمة عارٍ كبرى على جبين العصر وهى أيضًا شاهدٌ على تقاعس زمننا وضعف بعض أصحاب القرار فى بلادنا، إنها محنة الشعوب ومأساة البشر فى عصر التقدم التكنولوجى والانتقال السريع للمعلومات والقرية الكونية الواحدة التى نعيش فيها جميعًا .. إن دموع الثكالى وبكاء اليتامى ومعاناة الذين تركوا الوطن والأهل سوف تبقى معلقة فى رقاب حكامٍ تلاعبوا بمصائر شعوبهم ولم يتمكنوا من حماية أوطانهم، فكانت النتيجة هى لجوءا ونزوحا وخرابا ودمارا.
جريدة الأهرام
https://gate.ahram.org.eg/daily/NewsQ/839160.aspx