بدأ ابن دمياط حياته العملية منتميًا إلى الحركة الوطنية، ممثلة وقتها فى حزب مصر الفتاة، ثم التحق بالسلك الدبلوماسى عن جدارة بعد تخرجه فى كلية الحقوق، وذاع صيته فى أروقة الخارجية المصرية مع رفيق دربه وزميل دراسته أسامة الباز، وأتذكر أنه ألقى محاضرةً فى معهد الدراسات الدبلوماسية، وكنت واحدًا من الدارسين فيه، فأبهر الجميع بقدراته، ولفت الأنظار إلى كفاءته العالية، اصطفاه محمود رياض، وزير الخارجية، لكى يكون سكرتيره وكاتب خطبه الرسمية، وظل يتألق صعودًا فى مدارج السلك الدبلوماسى واختاره محمود رياض مرة أخرى معاونًا له عندما أصبح أمينًا عامًا لجامعة الدول العربية، حيث تراكمت خبراته فى محافل الأمم المتحدة بمدينتى جنيف ونيويورك، ثم انتقل بعد ذلك سفيًرا لمصر فى باكستان لفترة وجيزة فى نهاية سبعينيات القرن الماضى.
ثم عاد للأمم المتحدة سفيرًا لمصر بمقرها الأوروبى بمدينة جنيف، وعندما بلغ الدبلوماسى النابه أشرف غربال سن التقاعد لم تجد وزارة الخارجية أفضل من عبدالرؤوف الريدى خليفة له، فتبوأ منصبه فى واشنطن باقتدار ملحوظ ورؤية بعيدة، ويكفى أن نقول إنه أبرز أبطال معركة إسقاط الديون العسكرية عن مصر، فقد تمتع السفير المصرى المتألق فى واشنطن حينذاك بدائرة واسعة من العلاقات، خصوصًا بين أعضاء الكونجرس، صاحب القرار النهائى فى إسقاط الإدارة الأمريكية تلك الديون بعد حرب الخليج وتحرير الكويت مباشرة، وعندما عاد إلى مصر بعد تقاعده تولى إدارة المكتبة الكبرى لوزارة الثقافة على شاطئ نيل الجيزة وأحالها إلى خلية نحل بالقراء المتميزين والأنشطة المكثفة التى سعى من خلالها إلى استقطاب جيل كامل ممن يهتمون بالكتاب والثقافة ومصادر المعرفة. ولم يكتف عبدالرؤوف الريدى بذلك.
بل إن حسه الوطنى وغيرته الشديدة على وطنه جعلته يسعى إلى إنشاء سلسلة من المكتبات، كان أبرزها لفتًا للأنظار فى أحد أحياء القاهرة الشعبية بالزاوية الحمراء، وعندما أصدر مذكراته استقبلناها بالحفاوة والتقدير وتواصل عطاؤه فى مقالاتٍ متميزة فى الصحف والدوريات، يعلم ويثقف وينشر الضياء، وقد وقفتْ إلى جانبه دائمًا قرينته الفاضلة التى كانت زميلتى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وكان لها فى العقود الأخيرة نشاط اجتماعى واسع يقدره الجميع لها، ولم أَرَ صديقى الدكتور زاهى حواس يقدم سفيرًا مصريًا مثلما يفعل مع عبدالرؤوف الريدى، لا لأنهما أبناء محافظة واحدة، ولكن لأن الدكتور حواس شاهد على الأداء الرفيع للسفير الريدى فى واشنطن عندما كان الدكتور زاهى يدرس بالولايات المتحدة الأمريكية.
إن عبدالرؤوف الريدى ظاهرة تستحق الاحترام وتستوجب التقدير وهو يطرق أبواب التسعين من عمره الثرى بالقدرات، الغنى بالمعارف، الوفير بالعطاء لوطنه وأبناء شعبه، وكلما التقيته استمعت منه إلى أفكار جديدة أو آراء غير مطروقة، ولكنها تأتيه نتيجة تفكيره الدائم فى الصالح العام، ورغم أن عبدالرؤوف الريدى لم يتبوأ منصب وزير الخارجية إلا أنه كان دائمًا محل التقدير والإجلال من زملائه وتلاميذه وعارفى فضله، وهو إلى جانب ذلك عضو نشط بالمجلس الأعلى للثقافة، فضلًا عن أنه الشريك المؤسس للمجلس المصرى للشؤون الخارجية، وهو واحد من مؤسسات المجتمع المدنى الفاعلة على امتداد القرن الحادى والعشرين منذ بدايته، فلقد نجح ذلك المجلس نجاحًا ملحوظًا أدى إلى استمراره بقوة الدفع التى بدأ بها عندما أنشأه مع السفير عبدالرؤوف الريدى، سفير مرموق آخر رحل عن عالمنا هو الدكتور محمد شاكر، رحمه الله.
ولقد استطاع هذا المجلس تحقيق نجاحات مشهودة بمؤتمر سنوى منتظم وجذب إليه صفوة من المصريين والمصريات من مختلف التخصصات وأشرف شخصيًا بعضويته، وكلما زرت هذا المجلس فى مناسبة معينة أو لزيارة صديقى السفير الدكتور عزت سعد، الذى كان محافظًا للمدينة الفريدة فى عالمنا المعاصر الأقصر، حارسة التراث وحامية الآثار، كلما فعلت ذلك تذكرت الرواد الكبار فى إنشاء هذا الصرح، وفى مقدمتهم السفراء عبد الرؤوف الريدى ومحمد شاكر وسيد شلبى، فضلًا عن رئيسه الحالى الذى كان سفيرًا مرموقًا لمصر فى عدد من المواقع وأعنى به الدكتور منير زهران.
لقد أيقظ الحديث عن السفير عبدالرؤوف الريدى ضرورة استدعاء عدة أسماء، أرجو ألا أكون قد أثقلت بها على القارئ الذى يشاركنى التحية والتقدير للدبلوماسى الوطنى عبدالرؤوف الريدى.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2511593