عندما بدأت عملى فى وزارة الخارجية ملحقًا دبلوماسيًا عام 1966 كان شكرى فؤاد بدرجة سكرتير ثان فى إدارة غرب أوروبا، وقد التحقت بذات الإدارة بعد أن تركها منقولاً للعمل بالخارج فى إحدى الدول الإفريقية، وأتذكر أن رئيسى المباشر فى تلك الإدارة كان الدبلوماسى الراحل محمد الخازندار، ابن القاضى الشهيد الذى صرعته رصاصات إرهابية أمام مسكنه فى حلوان، وقد كانت خدمة شكرى فؤاد الأولى دبلوماسيًا شابًا فى البرتغال وبدأ اسمه يتردد على مسامعنا لما عرف به من كفاءة عالية ووعى وحصافة وحكمة وثقافة، فضلا عن الرؤية الشاملة للأمور باعتباره ابنًا بارًا للوطنية المصرية.
وقد تجاوزت اهتماماته حدود العمل الدبلوماسى ليتابع الحياة السياسة العامة فى مصر والمنطقة العربية وكان دائمًا صاحب رأى هو الأصوب فى تحليله للأحداث ورؤيته للأمور، وقد اقتربت منه منذ نهاية الستينيات وأصبحت أعتبر نفسى واحدًا من مريديه أسأله الرأى وأستلهم منه الحكمة، وأتذكر أنه عندما توفرت الدرجة الوظيفية لكى أكون مدرسًا بقسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد كان هو الذى نصحنى بالبقاء فى السلك الدبلوماسى، وكان تفسيره لذلك أننى أستطيع فى تلك الحالة أن أجمع بين عملى فى وزارة الخارجية وبين اهتماماتى الدراسية والأكاديمية فى الجامعة، وهذا ما حدث حتى حصلت على الدكتوراه من جامعة لندن عام 1977.
وكنّا نشكل مثلثًا من الأصدقاء (شكرى فؤاد ومحمود مرتضى رحمهما الله وأنا)، وكنا نتنقل بين الدول ولكن المراسلات بيننا دائمة لا تنقطع واللقاءات فى الإجازات مستمرة وأثناء فترة الخدمة بالديوان العام، وأتذكر أنه عندما جرى اختيارى للعمل سكرتيرًا لرئيس الجمهورية للمعلومات زودنى شكرى فؤاد بنصائحه القيمة وأفكاره النيرة، خصوصًا أنه كان يتمتع بدائرة واسعة من المعارف داخل السلك الدبلوماسى وخارجه، فقد كان قريبًا من عبد الرؤوف الريدى ومحمد البرادعى ونبيل فهمى والمرحوم حسين أحمد أمين ورمزى عز الدين، فضلاً عن علاقة وثيقة بالفقيه القانونى الدولى جورج أبى صعب مع عددٍ من كبار الشخصيات العامة فى مصر، وفى مقدمتهم الدكتور محمد أبو الغار وعدد من رموز اليسار المصرى، كما كان على صلة مستمرة وشبه يومية مع الراحل محمود مرتضى ومعى أيضًا.
وأتذكر أنه سافر إلى مسقط رأسه فى أسيوط فى إحدى السنوات لمناسبةٍ عائلية وأوكل لنا (محمود مرتضى وأنا) الاهتمام بابنته الوحيدة الطفلة الغالية (الدكتورة منال حاليًا) لتوصيلها يوميًا فترة سفره من منزلها إلى مدرسة المايرديديه، وكانت تدهش من أسمائنا حيث كان الراحل ينادينا بأبى حنفى وأبى درش فسألته الطفلة الصغيرة عن فحوى هذه الأسماء ليشرح لها فى سعادة أن هذه مرادفات لاسمى محمود ومصطفى فى اللهجة المصرية، وقد كان الرجل صاحب عقلية تنظيمية رائعة لذلك اختاره وزير الخارجية السيد عمرو موسى للإسهام فى عملية إعادة تنظيم وزارة الخارجية وترتيب الوظائف فيها، خصوصًا أنه كان ودودًا كريمًا مع كل زملائه وأصدقائه، وقد امتدت علاقاته بشخصيات كانت تعتز به وتعرف قدره منهم المستشار طارق البشرى ود. جلال أمين وعشرات من الأسماء البارزة فى كافة مناحى الحياة.
لذلك كان شكرى فؤاد أقرب إلى الشخصية الموسوعية التى تجمع فى ثقافتها من كل بستان زهرة، كما كانت معلوماته العامة عن العالم الذى نعيش فيه معلومات شاملة تمتد من كمبوديا شرقًا إلى غانا غربًا، بالإضافة إلى البرتغال والمقر الأوروبى للأمم المتحدة فى جنيف، كذلك كان سفيرًا لمصر فى بلغراد، وكانت لى طرفة مع الرئيس الراحل مبارك عندما زار الرئيس اليوغوسلافى مصر وصاحبه فى الزيارة إلى القاهرة سفيرنا فى بلغراد شكرى فؤاد، فقد أسرفت فى إلحاح على الرئيس السابق أن يستقبل السفير المصرى المرافق قبل لقائه بالضيف، حتى ضاق الرئيس ذرعًا بحرصى الشديد على ذلك اللقاء.
وقال لى إنى أعرف أنه صديق قريب لك وسوف أستقبله فى الوقت المناسب ولا داعى للإلحاح!، وقبل قدوم الضيف إلى مقر الرئاسة بنصف ساعة عرفت أن الرئيس يستدعى السفير شكرى فؤاد ويجلس معه ويستمع إليه ويعجب به، لقد كان شكرى فؤاد يتمتع بحياة أسرية هادئة مع رفيقة حياته السيدة الفاضلة نبيلة وابنته الوحيدة التى أهدته حفيدين كان يحبهما ويعتز بهما كثيرًا، وعندما ذهبت إلى الكنيسة ورأيت الجسد المسجى على المنضدة وراعى الكنيسة يلقى موعظته وسط حشدٍ من أصدقائه ومحبيه أيقنت أن فصلاً كاملاً من حياتى الشخصية قد اكتمل، وأن الحياة بعد رحيله تختلف عنها قبلها، وقد ألقيت كلمة فى قاعة الكنيسة أمام الجثمان أودّع فيها واحدًا من أعز الناس وأكثرهم تأثيرًا فى حياتى الوظيفية، فضلاً عن مكانته الراقية ابنًا بارًا لمصر انتقل من دار الفناء إلى عالم الأبدية ولن يعود مرة أخرى!.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2516516