دعت الإعلامية «رولا خرسا» الأثرى الشَّهير زاهى حواس إلى حلقة تلفزيونية خاصَّة، وطلبتْ منه أن يستضيف واحدًا من أقرب أصدقائه، ووقع اختياره علىَّ، فظهرتُ معه فى ذات الحلقة التلفزيونية المهمة حول الآثار والحفريات وجهود البعثات الأجنبية فى تاريخ التنقيب فى «مصر»، وطرأت على ذهن الإعلامية المصرية فكرة طرحتها علينا، وهى أن أقوم معه بزيارة موقع أثرى فى «منطقة الجيزة» التى ارتبطت آثارها باسم «زاهى حواس» منذ سنوات طويلة، ووقع اختياره على إحدى مقابر «سقارة» التى تضمُّ واحدةً من أقدم المومياوات فى التاريخ الفرعونى.
ذهبنا - «زاهى حواس»، وأنا- ومعنا مجموعة تصوير تلفزيونى لتسجيل ما يحدث حتى يُذاع فى الحلقة التالية، ونقوم بالتعليق عليه، وعندما وصلنا إلى الموقع الأثرى اكتشفتُ أنه يقع فى عُمق عشرة أمتار تحت الأرض، وأن هناك سُلَّمًا سوف نستخدمه فى النزول، ورأيتُ «زاهى حواس» ينزل الدَّرَج بسُرعة شديدة وهو يُعطى ظهره للسُّلَّم نتيجة تمرُّسه بالعمل فى مثل تلك المواقع، أما أنا فقد نزلتُ درجةً درجةً ووجهى للسُّلَّم، واستغرق مِنِّى الأمر بضع دقائق؛ لأننى لم أتعوَّد على استخدام السَّلالم الحديدية فى المناطق الأثرية، وهبطت بعدى مجموعة التلفزيون، وأخذ «زاهى حواس» يشرح لنا طبيعة تلك المومياء وظروف موتها وكيفية احتفاظ التحنيط بحالتها كما هى بعد آلاف السنين، بل وتطرَّق إلى بعض الموضوعات المتصلة بالنشاط العاطفى لصاحب المومياء على ضوء الدراسات الحديثة لعلم التحنيط، ما أدَّى إلى إحراج الفتيات اللاتى فُوجئن بذلك المشهد غير المتوقع، وصمَّم الدكتور «حواس» على تصويره لإذاعته ضمن البرنامج التلفزيونى الذى يستضيفُنا معًا فى تلك المرَّة، وجاءت لحظة الخروج من المقبرة، وصعد «زاهى حواس» الدَّرَج فى ثوانٍ قليلةٍ، وحاولت مجموعة التصوير التلفزيونى أن تحذو حذوه، ولكننى تنبَّهتُ بحُكم معرفتى بـ«زاهى حواس» أنه يمكن أن يصعد هو وفريق التصوير التلفزيونى ويتركونى فى المقبرة وهى مُغلقة ولو لمدة قصيرة من قبيل المُداعبة أو الهزار الثَّقيل، فأسرعتُ بالصعود بعد «زاهى حواس» مُباشرةً، ثم تلتنى مجموعة التصوير، وبذلك تجنَّبتُ مقلبًا مُحتملاً من «زاهى»، ثم قابلتنا المُذيعة اللامعة فى الأسبوع التالى، وعلى الهواء مُباشرةً بدأت تسألنى عن انطباعاتى عن المقبرة وما فيها و«زاهى» ينظر إلىَّ مُصمِّمًا، بل وفى إصرار شديد على أن أشرح للمُذيعة الفاضلة والمُشاهدين ما رأيته فى المومياء التى فحصناها؛ لأنها كانت لرجل هو إله الخصوبة فى عصره، وتحرَّجتُ من التعليق، وانبرى «زاهى» يشرح ما رأينا فى إطار التاريخ المصرى القديم، وكان ذلك من أحد المقالب التى تعوَّدتُ عليها من صديقى الأثرى الكبير الذى اتَّصلتْ بى ابنتى من «نيويورك» -حيث كان يعمل زوجها- قائلةً لى إن شوارع تلك المدينة الكُبرى تضمُّ مُلصقات بصور الدكتور «زاهى حواس» صاحب الشُّهرة العالمية والشديد القُرب من الأوساط الأمريكية، وهو ضيف دائم فى المُنتديات الثقافية هناك لإلقاء مُحاضراته التى تُعتبر مُظاهرات تعكس قيمة «مصر الحضارة» على مَرِّ الزمان، فكان طبيعيًّا أن أجد أن اسمه الرَّنان يحتلُّ كل مكان، وقد كان واحدًا من أهمِّ آرائى دائمًا هو الإفادة من اتِّصالاته الدولية وشعبيته الكاسحة ليكون تعبيرًا عن «مصر الفرعونية» والجاذبة للسياحة، ولذلك اتَّخذ «مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية» قرارًا بإنشاء مركز للمصريات يحمل اسم «زاهى حواس» باعتباره أكبر أثرى مُعاصر فى مصر حاليًا، ولأن ارتباطه بالحضارة الفرعونية أمر يكاد يكون معروفًا لدى المواطن العادى، خصوصًا فى الغرب و«الولايات المتحدة الأمريكية» تحديدًا، كما أننا يجب أن نعترف بأنه رجل علاقات عامة من طراز رفيع، فهو قادر على جلب الأضواء، وجذب الحضور فى مُحاضراته المختلفة داخل «مصر» وخارجها، وقد ارتبط اسمه دائمًا بـ«منطقة الهرم» التى قضى فيها سنوات طويلة مُفتِّشًا لآثارها قبل أن يُصبح رئيسًا لـ«المجلس الأعلى للآثار»، ثم وزيرًا للآثار بعد ثورة 25 يناير 2011، ولقد بدأت بعض الدول العربية -وفى مُقدِّمتها «المملكة العربية السعودية»- تفطن إلى أهمية «زاهى حواس» وقيمته، فدعتهُ أكثر من مرَّة لتفقُّد آثارها وإبداء الرأى فى إمكانية تسويقها، وها هى «مصر الحكومة» تُحاول الاستعانة به فى كثير من الأمور المتصلة بالآثار والتراث الثقافى المصرى الذى نعتزُّ به ونُفاخر دائمًا.
د. مصطفي الفقي;
مجلة 7 أيام العدد 278
تاريخ النشر: 15 مايو 2018
رابط المقال: https://www.7-ayam.com/%d8%b2%d8%a7%d9%87%d9%89-%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%b3-%d9%88%d9%85%d9%82%d8%a8%d8%b1%d8%a9-%d8%b3%d9%82%d8%a7%d8%b1%d8%a9/