الصالون الثقافى نمط من المجالس التى يتحلق حولها بعض ذوى الاهتمامات المشتركة، يناقشون قضايا ذات اهتمام واحد تكون فى مجملها مهمة لكل رواد الصالون، وتتصل بالشأن العام أو الأحداث الطارئة، وتعبير الصالون الثقافى ليس هو الوحيد الذى يشير إلى تلك الاجتماعات الدورية صغيرة العدد شديدة التأثير، إذ تحمل مسميات مختلفة، فقد تكون ديوانية كويتية أو جمعية أدبية مصرية أو بعض مجالس الصالحين إذا كانت ذات صبغة دينية، وتاريخ الحياة الثقافية فى مصر يوضح أن مفهوم الصالون الثقافى بمعناه الحديث قد تشكّل مع نهايات القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، فمازالت أسماء، مثل «مى زيادة» و«نازلى فاضل» وغيرهما، هى إشارات إلى ذلك النمط المتميز من الحوار الثقافى الفكرى الذى كان يدور فى عصرٍ رموزه هم: العقاد وطه حسين ومصطفى صادق الرافعى وأمين الخولى وسلامة موسى وغيرهم، فى محاولة للتبشير بعقليات جديدة، حيث كان الشعار السائد الذى يرفعه كل صاحب رأى هو أن الاختلاف لا يفسد للود قضية، ولقد شاركت شخصيًا فى عدد كبير من الصالونات الثقافية على امتداد سنوات العمر، عرفت من خلالها مباشرة عددًا من رموزنا الفكرية، كما تعرفت على عدد آخر ممن يتعاطون الثقافة من مختلف مصادرها ويتعاملون مع الفكر من شتى تخصصاته، ومازلت أذكر حوارى مع المفكر المصرى الراحل أنور عبد الملك وأنا أحاول إقناعه بعمل صالون يحمل اسمه الذى انعقد بالفعل لمراتٍ قليلة، ولكنه توقف فى زحام أسفار ذلك المفكر الذى كان يؤمن بالدور الآسيوى القادم، وعندما رحل الروائى المصرى الكبير إحسان عبد القدوس قام ابناه محمد وأحمد بإنشاء صالون ثقافى يحمل اسم أبيهما الراحل وطلبا منى الإشراف عليه وقد فعلت ذلك، وكان من الضيوف الذين استقدمتهم للحديث فى ذلك الصالون أسماء معروفة، مثل الأساتذة محمد حسنين هيكل ومصطفى خليل وثروت عكاشة ومحمود السعدنى، وغيرهم من الشخصيات العامة التى استمتع بها رواد ذلك الصالون الثقافى الكبير فى ذلك الحين بعد تركى مباشرة لعملى فى مؤسسة الرئاسة عام 1992؛ أذكر كل ذلك وقد سقط اثنان من فرسان المعبد الثقافى العربى، هما الدبلوماسى العراقى قيس العزاوى، الذى كان الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية والذى أنشأ الصالون الثقافى العربى واختطفه الموت منّا فجأة أثناء رحلة علاج فى العاصمة الفرنسية، وقد أنشأ هذا الصالون بالقاهرة فى مطلع هذا القرن، وكان برئاسة الفقيه القانونى الراحل الدكتور يحيى الجمل، نائب رئيس الوزراء الأسبق، وضم فى عضويته عددًا من الرموز الفكرية العربية بالقاهرة أو القادمين إليها من عاصمة الرشيد أو دول الشمال الإفريقى، خصوصًا المغرب بسفرائه المتعاقبين على عضوية الصالون، الذى كان يضم فى عضويته أيضًا عددًا من السفراء العرب فى القاهرة وشخصياتٍ كبيرة، مثل رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عصام شرف، والدكتور جابر عصفور والدكتور صلاح فضل والمؤرخ اللبنانى خالد زيادة، سفير بلاده فى القاهرة فى ذلك الوقت، ورئيس وزراء موريتانيا الذى كان أيضًا سفيرًا لبلاده فى القاهرة، وعندما رحل الدكتور يحيى الجمل عن عالمنا، استقر رأى أعضاء الصالون على اختيارى خلفًا له، وكان الدكتور قيس العزاوى، مؤسس الصالون، وأنا رئيسه، وقد عرفت شخصيًا صالونات من أنماط أخرى، كان أشهرها صالون الدكتور عبدالمنعم عثمان، الذى أنهى خدمته نائبًا لمدير الخدمات الطبية بالقوات المسلحة المصرية، وفتح داره فى الفيلا الأنيقة التى يملكها بمصر الجديدة ليرتادها أصدقاؤه ومحبوه من مختلف التخصصات والطوائف، فى حوار أسبوعى بنّاء، أصبح شهيرًا على المستوى العام، حتى رحل الدكتور عبدالمنعم عثمان فى آخر يناير 2022، بعد أن ضم صالونه بعض رؤساء الحكومات المصرية وعددًا كبيرًا من الوزراء المرموقين وكبار الأطباء والمهندسين ورجال الفكر والإعلام، حتى ذاع صيته وتألق اسمه، وأتذكر أيضًا أن الصيدلى الشهير الدكتور أحمد العزبى قد أدار لعدة سنوات صالونه الثقافى، الذى كان يشارك فيه كوكبة من رموز الوطن المصرى فى لحظاتٍ حرجة من تاريخ الكنانة.
.. تلك سطورٌ أشيد فيها بمفهوم الصالون الثقافى وعاءً للفكر الحر ومدرسةً للحوار البنّاء ونقطة التقاءٍ لكل المهمومين بالوطن وقضاياه وشواغله.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2543840