أكتب هذه السطور وأنا أتهيأ للسفر إلى دولة الإمارات العربية الشقيقة لحضور احتفال تسليم جائزة الشيخ زايد لهذا العام، والتى حصلت عليها مكتبة الإسكندرية التي أتشرف برئاستها، وذلك في مجال الكتاب والنشر. وللشيخ زايد مكانة خاصة في قلوب المصريين، فقد كان بحق حكيم العرب ونصيرًا للشعب المصرى في السراء والضراء.
لذلك فإن جائزته لا تُحسب بقيمتها المادية ولكن تُقدر بمكانتها المعنوية، وتربطنى بدولة الإمارات العربية علاقة متواصلة ارتكزت على دعامتين، الأولى هي علاقتى بالأستاذ أحمد خليفة السويدى، زميل دراستى في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، في ستينيات القرن الماضى، والذى شغل بعد تخرجه منصب رئيس الديوان الأميرى في إمارة أبوظبى قبيل إعلان اتحاد الإمارات، الذي لعبت فيه حكمة الشيخ زايد دورًا تاريخيًّا معروفًا، وقد تدرج زميلى، الأستاذ أحمد خليفة السويدى، بكفاءته العالية وخلقه الرفيع سلم المناصب، حتى أصبح وزيرًا لخارجية دولة الإمارات العربية، ثم مستشارًا للشيخ زايد، حتى تقاعد وتفرغ حاليًا للنشاط الثقافى الحر، حيث يقضى معظم وقته في منطقة العين.
وكلما زرت الإمارات سعيت لمقابلته والسلام عليه والاطمئنان على صحته، فهو صديق عزيز، وعروبىٌّ خالص، وفاهم للإسلام دينًا ودنيا، ويحمل للكنانة محبة متأصلةً في أعماقه مثل معظم الإماراتيين، أما الدعامة الثانية في علاقتى بدولة الإمارات فهى معرفتى بالشيخ سلطان القاسمى، أمير الشارقة، عضو المجلس الأعلى للاتحاد، وهو عاشق مصر، التي درس فيها وأدرك جوانب الحياة على أرضها وتعمق بشدة في أحوالها وظل صديقًا وفيًّا لها على نحو لا نكاد نجد له نظيرًا، وقد كنت ضيفًا في بعض السنوات على معرض الكتاب بالشارقة مع لقاءات مكثفة بالشيخ سلطان القاسمى، أطال الله في عمره، وكنت أتزامل في تلك الزيارات مع وزيرى الثقافة السابقين، الدكتور محمد صابر عرب والدكتور عبدالواحد النبوى.
وكنا نسعد بأحاديث الشيخ وذكرياته في مصر وغيرها، فهو الذي أحال إمارته إلى قلعة ثقافية مؤثرة لا في منطقة الخليج وحدها، لكن في المنطقة العربية كلها، لهذه الأسباب أتطلع لزيارة تلك الدولة الشقيقة، ولى فيها أصدقاء كثر في مختلف جوانب الحياة السياسية والثقافية على نحو أعتز به وأحرص عليه، أما رئيس الدولة الجديد، سمو الشيخ محمد بن زايد، الذي خلف أخاه الراحل الشيخ خليفة، فأنا أتذكر حين كان يدرس في الأكاديمية العسكرية بمصر، وكان الرئيس مبارك، رحمه الله، يطمئن عليه من حين لآخر، وكنت وقتها سكرتير الرئيس الراحل للمعلومات، وقد تنبأ الجميع للشيخ محمد بالمستقبل الواعد، وقد كان.
إن هذه الدوحة العربية من أبناء الشيخ زايد تمثل عنصر توازن في اتحاد الإمارات العربية، ويقف معهم دائمًا على نفس الخط الشيخ محمد بن راشد، حاكم دبى، رئيس الوزراء بالإمارات، من خلال تجربة وحدوية رائعة تستحق الإعجاب والتقدير، وها أنا أتجه إلى أبوظبى العاصمة لتسلم تلك الجائزة، التي حصلت عليها أكبر مؤسسة ثقافية عربية، وهى مكتبة الإسكندرية، التي تحتفل هذا العام بمرور عشرين عامًا على إحيائها بعد انقطاع استمر عشرين قرنًا منذ احتراقها على أيدٍ مجهولة عبثت بذلك التراث الإنسانى العظيم في لحظة حزينة من تاريخ الحكم اليونانى للإسكندرية، عروس «المتوسط»، ملتقى حضاراته الفرعونية والإغريقية والرومانية.
والتى كانت حتى عقودٍ قريبة مضت بوتقة بشرية رائعة تضم إلى جانب المصريين بالطبع عشرات الآلاف من اليونانيين والطليان والأرمن واليهود والشوام وغيرهم من شعوب الأرض، ولابد أن تستعيد الإسكندرية أمجادها ولو بعد حين، فهى نقطة الانطلاق لبناء إمبراطورية شرقية حلم بها الإسكندر، ثم واصل خلفاؤه رسالته من بعده لكى تصبح مصر في النهاية سبيكة حضارية فريدة وملتقى الثقافات والديانات للعالم كله.
جريدة المصري اليوم
https://www.almasryalyoum.com/news/details/2606108