- أحلم منذ طفولتى بأن أكون من أصحاب المقام الرفـيع
- كتبت أن توفيق الحكيم كان الأحق بجائزة نوبل فأرسل لى نجيب محفوظ برقية: أنت منصف ومقالك عادل
- مبارك قال لى: أنت مثل مراجيح الهواء.. شوية معانا وشوية مش معانا
- بطرس غالى نصحنى بالعمل الدبلوماسى بدلا من الجامعة
- أسامة الباز كان يحضر لى ساندوتشات الفول والطعمية فى الهند
الدكتور مصطفى الفقى هو خزانة أسرار متحركة، هو عقل وتاريخ الأمة المصرية، يمتلك الكثير من المفاتيح ويحمل فى قلبه وعقله هموم الوطن والكثير من حكاياته، هو ليس فقط مدير مكتبة الإسكندرية ولكنه أحد صناع السياسة المصرية لسنوات طويلة بالإضافة لكونه دبلوماسيا جاب العالم بطوله وعرضه وواحدا من أهم الباحثين والمؤرخين والمفكرين فى مصر والوطن العربى.
الدكتور الفقى لا يمكن وصفه إلا بابن البلد الجدع صاحب النكتة خفيف الظل الحكاء الذى لا تمل فى حضرته ولا تشبع من حكاياته وأسراره التى يحكيها والبسمة لا تفارق شفتيه، وفى كل قضية له رأى وفى كل موقف له بصمة، وفى هذا الحوار نتعرف على الدكتور مصطفى الفقى كما لم يعرفه أحد.
................
ما هى أهم المحطات فى حياتك؟
البداية كانت التفوق الدراسى فقد كنت الأول على منطقة البحيرة التعليمية ثم التحقت بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وقد أثبت تفوقاً فى الدراسة والعمل الاجتماعى والثقافى حتى أصبحت رئيساً لاتحاد طلاب الكلية لعامين متتاليين، ثم بعد ذلك دُعيت للانضمام إلى منظمة الشباب الاشتراكى وكنت مسئولاً عن القاهرة، ثم صدر قرار من الرئيس جمال عبدالناصر بتعيينى ملحقاً دبلوماسيًا بوزارة الخارجية عام 1966، وبعدها نُقلت إلى المعهد الدبلوماسى للدراسة ثم عملت فى قنصلية وسفارة مصر فى لندن، وهناك حصلت على درجة الدكتوراه من كلية الدراسات الشرقية والإفريقية soas عام 1977.
وعدت إلى مصر وأُعلن فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عن درجة مدرس وكنت على وشك التقدم لها، فذهبت إلى بطرس غالى بحكم صلتى القوية به وقلت له «هل تنصحنى بالذهاب إلى الجامعة، فقال لا، أنت فى الخارجية تستطيع أن تقوم بالعمل الأكاديمى والدبلوماسى، ولكن فى الجامعة لا تستطيع أن تقوم بالعملين معاً»، فبقيت فى الخارجية ثم نقلت إلى الهند لمدة 4 سنوات وهناك تعلمت الكثير فهى دولة الأقليات واللغات والثقافات والطبقات والعلماء والأغنياء والفقراء والباحثين كما أنها دولة نووية ودولة فضاء، وعدت لأجد أن الدكتور أسامة الباز يطلبنى للعمل معه كمدير لمكتبه، وما هى إلا شهور قليلة ومرض الدكتور الباز، وطلبت الرئاسة أن يكون هناك بديل له فتم انتدابى لمدة شهر مع الرئيس حسنى مبارك، ولكن بعودة «الباز» انتهى دورى عدت إلى العمل الدبلوماسى فى واشنطن.
حينما طلبنى الرئيس مبارك
وذات صباح تلقيت اتصالا من السكرتير الخاص بالرئيس مبارك وأخبرنى أن الرئيس يريد رؤيتى، وعندما التقيته قال لى «رأيت عملك واسترحت إليك كثيراً وأريدك أن تكون سكرتيرى للمعلومات والمتابعة، فعملت معه لمدة ثمان سنوات زرت خلالها كل دول العالم وحضرت لقاءات مع أغلب الرؤساء مما ساهم فى اتساع دائرة معارفى، كما كنت أقوم بالتدريس فى الجامعة الأمريكية ثم تركت رئاسة الجمهورية عام 1992 وتوليت منصب مدير معهد الدراسات الدبلوماسية ، وانخرطت فى الحياة العامة وأصدرت أربعين كتاباً وحصلت على كل جوائز الدولة من التشجيعية إلى التقديرية وجائزة النيل، وأصبحت مدعوًا فى كثير من المنتديات الإقليمية والدولية والمؤتمرات العالمية، ورغم كل هذا إلا أن سعادتى الحقيقية كانت حينما أكون محبوباً وقريباً من الناس.
وبعدها نقلت إلى النمسا سفيراً ومندوباً دائماً لمصر لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية وسفيراً غير مقيم لـ «سلوفاكيا وسلوفينيا وكرواتيا»، وعندما عدت إلى مصر تم تعيينى مندوباً لمصر لدى جامعة الدول العربية.
وفى عام 2001 وقع على الاختيار لتولى لجنة العلاقات الخارجية فى البرلمان فأصبحت عضواً لمدة خمس سنوات بالتعيين ثم خمس سنوات أخرى بالانتخاب عن دمنهور التى كانت صعبة للغاية حيث كانت تعتبر أحد معاقل جماعة الإخوان. وبعد أن قامت ثورة 2011 رُشحت رسميًا من المجلس العسكرى لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية ورشحت «قطر» زميلا من جانبها، ولكن كلاً من قطر والسودان اعترضا على ترشيحى، وكان موقف السودان بسبب انتقادات مُرة وجهتها للبشير فى مؤتمرات عامة، أما قطر فكانت العلاقات بينها وبين مصر وخاصة بقايا نظام مبارك غير طيبة على الإطلاق، وبالتالى لم أحصل على المنصب رغم أننى كنت مدعوما من حوالى 19 دولة من أصل 22.
مكتبة الإسكندرية
وعن حكاية مكتبة الإسكندرية يقول الفقى: البداية كانت حينما دعوت صديقى الدكتور إسماعيل سراج الدين على حفل عشاء أقمته على شرف السيدة سوزان مبارك فى ستراسبورج بالنمسا ولكنه أخبرنى بأنه لا يعرفها فأقنعته بالحضور وتحدث يومها عن أزمة المياه فى العالم فأعجبت بحديثه ورشحته لإدارة مكتبة الإسكندرية والتى استمرت 16 عاماً، وبعدها بدأ البحث عن مدير للمكتبة يكون شخصية موسوعية ومثقفة وذات علاقات دولية وإقليمية، فتم اختيارى بعدما رشحنى مجلس الأمناء ووافق الرئيس عبدالفتاح السيسى وهو صاحب الرأى الأول والأخير لكونه رئيس مجلس الأمناء وجرى تعيينى فى 2017، وقد تألمت حينما علمت أن الدكتور إسماعيل سراج الدين يُحاكم أمام محكمة الجنح، فذهبت وفوجئ بوجودى فى المحكمة إلى جواره، وشهدت بما يمليه على ضميرى تجاه عالم مصرى قدير، وسعدت كثيرا بحصوله على البراءة.
وقد قمت فى المكتبة بعملية إصلاح إدارى ومالى شاملة لأن الدكتور سراج الدين كان معنى بإبراز شخصية المكتبة فى الخارج فعملت بكل طاقتى لأستقدم للمكتبة أفضل العقول فى كل المجالات ولم أسمح لأى شخص أن يستغلها لمنفعته الخاصة، فهى مؤسسة عامة يمتد تأثيرها إلى العالم وتعمل على دعم قضايا الدولة المصرية، وقد قامت المكتبة بتوقيع اتفاق مع العاصمة الإدارية لتوفير الدعم الفنى فى مجال المكتبات، فضلاً عن إهدائها خمسة عشر ألف كتاب يضاف إلى ذلك ما قامت به من دعم للأكاديمية الوطنية للشباب، ومكتبة مدينة العلمين.
وتمتلك المكتبة عددا من المراكز الثقافية المهمة خارج الإسكندرية، منها قصر الأميرة خديجة بحلوان الذى أصبح مركز إشعاع ثقافى وتنويرى منذ افتتاحه عام 2019 بعد أن كانت حلوان تشهد حضورا مكثفا للتيارات الدينية المتشددة، كما تم تطوير «بيت السنارى» الأثرى مما جعله مركزًا ثقافيًا مهماً فى أحد أقدم الأحياء الشعبية بالقاهرة.
ويأتى «مركز توثيق التراث الحضارى والطبيعى» التابع للمكتبة بالقرية الذكية، تعبيرًا مهمًا عن التقاء الثقافة بالتكنولوجيا الحديثة، ومن أبرز إنجازاته البانوراما الحضارية ذات الشاشات متعددة الأبعاد التى تعرض لمراحل التاريخ المتنوعة، وقد قام المركز بتوثيق تراث مصر الجديدة والتراث القبطى والإسلامى، والفنون التشكيلية، والحرف والمهن الشعبية، والسينما المصرية، ومراحل التاريخ المختلفة، بما فى ذلك مشروعات التنمية الكبرى التى تقوم بها الدولة المصرية فى الوقت الراهن كما تمكنت المكتبة من الحصول على مقتنيات الأستاذ محمد حسنين هيكل والتى تضم أوراقه الشخصية ومقتنياته التى توثق لفترات هامة فى تاريخ مصر السياسى والاجتماعى وأقيم لها متحف خاص، كما حصلت المكتبة على عدد من المقتنيات الهامة تبلغ نحو 22 مجموعة لعدد من كبار المثقفين والعلماء من بينهم د. فاروق الباز، ود. صوفى أبو طالب، ود. يونان لبيب رزق، ود. أحمد زويل، ود. رفعت السعيد، والفنان يوسف وهبى، فضلًا عن الحصول على إهداء المحمل الشريف «الهودج»، كما تسلمت المكتبة نحو ألف كتاب نادر، كما أهدى الفنان محمد شاكر عميد كلية الفنون الجميلة الأسبق المكتبة ما يقرب من خمسمائة عمل فنى أصلى له، وقد حصلت المكتبة خلال هذا العام على جائزة الشيخ زايد الدولية للكتاب وهى دلالة على عمق تأثير المكتبة فى الثقافة دوليًا وعربيًا.
كما بدأت المكتبة سلسلة من التعاون مع جهات علمية كبرى معنية بالثقافة بدءًا من اليونسكو، معهد العالم العربى فى باريس، والمتحف البريطانى، وأكاديمية العالم للعلوم للدول النامية ومكتبة الكونجرس، والمكتبة البريطانية، وعدد من المتاحف العلمية. ويؤكد الدكتور الفقى أن المكتبة أولت اهتمامًا خاصاً بالعلاقات مع إفريقيا ومع دول البحر المتوسط من خلال عدد من المبادرات، كل هذه الفعاليات جعلت المجتمع العربى والدولى يطالبنا بنقل نموذج المكتبة إليه، ويتطلع لإنشاء فرع لمكتبة الإسكندرية فى دول أخرى. كما تمتلك المكتبة مشروع سفارات المعرفة والتى بلغ عددها 21 سفارة تنتشر فى كافة الجامعات الحكومية المصرية، وقد قدمت المكتبة كامل أنشطتها وخدماتها على الإنترنت خلال جائحة الكورونا مما جعلها تحصل على جائزة أفضل مكتبة عربية فى ظل انتشار الوباء. كما قامت بتنظيم مؤتمرات حول العديد من القضايا مثل حقوق الإنسان، والهجرة غير الشرعية، والتنمية فى الصعيد، والجمهورية الجديدة، والتغيرات المناخية، وتطوير الموارد المائية، والتوسع فى الطاقة الخضراء، وتجديد الفكر المصرى فى العصر الحديث، كما استقبلت المكتبة العديد من الشخصيات الدولية والعالمية من بينهم رئيس جمهورية اليونان والأمير تشارلز ولى عهد بريطانيا وقرينته.
وقد زرت بريطانيا، وألقيت محاضرة بمجلس العموم، تحدثت فيها عن دور مصر فى مكافحة الإرهاب، الذى تقوده نيابة عن المنطقة العربية بأسرها، وأن ثورة 30 يونيو 2013 ستظل علامة فارقة لانتصار مفهوم الوطن والمواطنة فى مواجهة قوى سياسية تستخدم الدين فى الهيمنة على مقدرات الشعوب لخدمة مصالحها، وطالبت الساسة البريطانيين بدعم الجهود المبذولة فى مكافحة التطرف والإرهاب، الذى تكتوى بناره دول أوروبا وقد قدمت المكتبة عددا من الإصدارات فى شتى مناحى المعرفة بلغت فى السنوات الخمس الأخيرة نحو 230 إصدارا فضلا عن مجلة «ذاكرة مصر» ومجلة «ذاكرة العرب».
وفى سياق مواجهة التطرف والتشدد، واصلت المكتبة «إعادة إصدار كتب التراث من خلال مجموعة من الكتب المرجعية فى الفكر النهضوى، بلغت 62 كتابًا، حول قضايا الحرية والتحرر، والتجديد والإصلاح، والتمدن الإسلامى وتجديد الخطاب الدينى. ومن المبادرات التى تبنتها المكتبة أيضاً مشروع الترجمة بناء على توجيهات السيد رئيس الجمهورية لمد جسور الانفتاح والتواصل مع الحضارات والثقافات، كما انتهت المكتبة من ترميم مخطوطات بطريركية الإسكندرية للروم الأرثوذكس، ونحو 60 % من السجلات التاريخية لهيئة قناة السويس، وتعمل على رقمنة 800 كتاب نادر من ممتلكات الهيئة. إلى جانب رقمنة الدوريات والكتب، حيث بلغت نحو 120 ألف دورية عربية وأجنبية، ومائتى ألف كتاب متاح لجمهور المكتبة. ويضيف الدكتور الفقى أننى اختتمت فترة إدارتى لمدة خمس سنوات بإهداء مكتبتى الشخصية كاملة «حوالى عشرة آلاف وخمسمائة كتاب ومرجع علمى وموسوعى» للمكتبة تقديرا لها وارتباطا بها.
ما هى الشخصية الأقرب إلى قلبك السياسى أم الدبلوماسى أم المفكر أم مدير المكتبة؟
تستهوينى شخصية المفكر المتأمل لأن لدى تنوعا فيما اكتب وفيما أقرأ، أبحث فى الإنسانيات والتاريخ والاجتماع والسياسى، فلم أترك نفسى لتخصص رأسى واحد ولكنى آثرت أن أكون أفقيًا يجمع شتات عدد كبير من العلوم.
بماذا كنت تحلم فى طفولتك؟
كنت أسمع جملة «صاحب المقام الرفيع» وفلان باشا فكانت تستهوينى بشدة وبسببها تعرفت على العصر الملكى، ولفت نظرى دور الأقباط الكبير فى تلك الفترة، مما دفعنى لدراسة وضعهم فى الفترة من 1919 وحتى 1952.
ما تأثير الريف على شخصية دكتور مصطفى الفقى؟
أنا من مركز المحمودية، خال والدتى هو المغازى باشا كان لديه «تفتيش» 15 ألف فدان، هناك ولدت ونشأت، وكان أبى شخصية مرموقة ويُستدعى للتحكيم بين العائلات فى حالات الثأر والقضايا الكبيرة، وأتذكر السهرات التى كان يذبح فيها الذبائح وكنت ألزم أبى مستمعًا لطرفى وجهة النظر وإلى الأحكام التى تصدر وإلزامية الحكم العرفى على الموجودين رغم كون البحيرة بها عائلات كبيرة مثل «المغازى باشا، مرسى باشا بلبع، عيسى باشا نوار».
إحك لى عن بعض ذكريات الطفولة؟
كنت طفلا شقيا للغاية كما كنت ذكيًا وكان لدى خالة متعلق بها فخُطبت وتزوجت فى قرية مجاورة تبعد عنا مسافة 4 كيلو مترات، وفى أحد الأيام وكان عمرى 6 سنوات قررت أن أزورها بمفردى، واختفيت وكانت والدتى فى حالة انهيار والعائلة بكاملها خرجت للبحث عنى، فأخبرهم أحد الفلاحين أنه رأنى أسير على طريق مجاور للترعة، بدأوا فى تعقب الطريق وصولاً إلى القرية التى تقطن بها خالتى، وكان هذا يوم لا أنساه فى حياتى.
من مثلك الأعلى وقدوتك؟
تأثرت ببعض المعلمين وكنت أعشق الطبيعة مثل صديقى الدكتور أحمد زويل الذى قال لى يومًا أننى كنت الأول دائما فقلت ولكن نوبل حسمت الأمر، وقد أخبرنى صديق من الإمارات بأنه عرف اسمى من خلال «زويل» الذى قال لهم إنه إذا ما ألقى محاضرة لا يستمع إليها «الفقى» لا يجد نفسه، وقد كنا مجموعة تضم زويل و فاروق جويدة والفريق محمد العصار، الذى كان يجمعنى به مقعد واحد فى المدرسة ولذلك بكيته كما لم أبك على أحد عند وفاته.
كيف وجدت القاهرة عندما انتقلت إليها للدراسة؟
غُصت فى أحيائها، كنت أخرج مع صديق عمرى الدكتور على الدين هلال، إلى حى العتبة لتناول «المشروب العقائدى» وهو خليط من عصائر فى 5 قنينات من الزجاج من الليمون والرمان وغيرها و كان هذا المشروب الذى ابتكرناه وأطلقنا عليه هذا الاسم يجمع بين الأصدقاء، وكان لنا اهتمامات سياسية حيث كان هو رئيس لجنة الاتحاد الاشتراكى فى الكلية، وأنا رئيس اتحاد الطلاب، وكنا ننظم مؤتمرات سنوية تنجح بشدة وكانت الحياة فى فترة الستينيات ثرية جدًا رغم بساطتها فكان عدد البشر والسيارات أقل، وسلوك المواطنين مختلفا، ورغم صعوبة المواصلات ولكن كل شىء كان فى متناول اليد، كان الطلبة يذهبون إلى الجامعة بالأتوبيسات ولم يكن هناك فكرة امتلاك السيارات من الطلبة، وكان المجتمع متقاربا فى الفوارق.
لماذا اخترت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية؟
رأيت أنها الدراسة الشاملة، فأنا لا أستطيع أن أكون مهندسًا متخصصًا فى جزء من سيارة أو ترس فى آلة، أنا أريد أن أكون صاحب نظرية عامة وشاملة ورؤية كاملة للأشياء التى أراها.
كيف عشت حياة الطلبة فى الجامعة؟
التحقت بالمدينة الجامعية وتعرفت على شخصيات عديدة، فمعارفى من الحياة الجامعية ومن عملى أثرت فى شخصى وعلاقاتى المتشابكة على المستوى العربى والدولى.
وكنت مهتما بالحياة الثقافية فذهبت إلى الأستاذ محمد حسنين هيكل، وقابلت سكرتيرته وعرفتها بنفسى بصفتى رئيس اتحاد الطلاب وأننى أرغب فى استضافة «الأستاذ» فى لقاء مع الطلبة على ألا يكون لقاء سياسيًا، فسألتنى وما هو الموضوع فأخبرتها «أزمة المثقفين» فكان ردها «بالذمة طالب اقتصاد وعلوم سياسية يقول إن أزمة المثقفين ليس موضوعًا سياسيًا»، وبعدها بسنوات ربطتنى به علاقة قوية، وأنا الذى ألقيت كلمة التأبين أمام جثمانه فى مسجد الحسين.
ما الذى دفعك للانخراط فى الانتخابات الطلابية والحياة السياسية بالجامعة؟
أنا كنت رئيس اتحاد طلاب محافظة البحيرة، وكان وجيه أباظة يهتم بى وبعدها بسنوات كنت أمارس الرياضة فى المركز الرياضى برفقة الرئيس مبارك وطلب وجيه أباظة أن يقابل الرئيس، وفوجئ الرئيس أن «أباظة» قام بالسلام على بحرارة شديدة، وسأله كيف يعرفنى؟، فأخبره أننى كنت رئيس اتحاد الطلاب فى البحيرة أثناء توليه منصب المحافظ بها، كما كنت قريبا من رجال الأزهر ومن البابا شنودة وأغلب الزعامات السياسية.
ما هو الدور الذى لعبه الدكتور أسامة الباز فى حياتك؟
دور كبير جدًا، فهو أخى الكبير وهو الإنسان الذى لا يتكرر ببساطته وتواضعه، فعندما ذهبت إلى الرئاسة وأصبحت فى بعض المواقف أقرب للرئيس منه لا يشعر أبدًا بضيق أو غيرة، على العكس كان يدفع بى إلى الأمام، وأتذكر اليوم الذى تركت فيه الرئاسة دمعت عيناه، وكان يسدى لى النصيحة ويبوح بكل أسراره الوظيفية، وأثناء عملى فى الهند كان يحضر لى سندوتشات فول وطعمية فى زياراته.
تحدثت فى لقاءاتك السابقة عن معارضتك لنظام مبارك رغم كونك جزءا منه.. كيف تبرر ذلك؟
لم أكن معارضا بمعنى «عنتر شايل سيفه» ولكن كان هناك هامش من الاختلاف، فقد كتبت مقالا ضد التوريث وقلت «إن قيادة الأوطان ليس مثل إدارة الشركات»، ومقالا بعنوان «تفسد السمكة من رأسها»، وأخذت مواقف عديدة، وعندما كنت أشارك فى ندوات وأشطح فى الكلام» يتواصل معى زكريا عزمى أو السفير سليمان عواد لإبلاغى عتاب الرئيس، وفى إحدى المرات تم نقلى إلى ألمانيا ودعانى الدكتور كمال الجنزورى إلى ندوة فى معهد التخطيط، وكان بها عدد من القيادات، وقلت «أن الولايات المتحدة الأمريكية حاليا فى عصر كلينتون تنظر إلى سوريا - فى عهد حافظ الأسد باحترام بغير حب وتنظر إلى مصر بحب بغير احترام»، فغضب الرئيس وتم إلغاء النقل إلى حتى أتأدب. ورغم هذا كان مبارك يداعبنى دائمًا قائلا:ً «أنت مثل مراجيح الهواء.. شوية معانا وشوية مش معانا».
قضيت 8 سنوات سكرتيرا للمعلومات للرئيس مبارك فكيف كنت تراه؟
كنت أراه وطنيًا خالصاً وهو تمثيل حقيقى للعسكرية المصرية النزيهة، لا علم لى بالمخالفات التى تنسب له أو لمساعديه، وقد كانت اختياراته فى أى موضوع هو الاختيار الوطنى، وكان متمسكًا بالأرض والوطن ويحترم القوات المسلحة ويقدس القضاء، يخشى رجال الدين ويضعهم فى المكان المناسب.
هل كنت تستطيع تقديم النصح له؟
نعم رغم أنه كان يزجرنى بعض الأحيان فكنت أداعبه قائلا:ً «إذا سمحت سأخبرك بشىء ولكنك ستغضب فيقول ولماذا تخبرنى إذًن، فأقول لأن المصلحة تقتضى».
ومتى غضب منك؟
غضب منى مرة بسبب قدومى متأخراً عن موعدى، وكان ينتظر خطاب عيد العمال وكنت قادمًا من منطقة الهرم وهو فى الإسماعيلية، وتعطلت فى المرور، وظل ينتظر ساعة وربع الساعة وبعدها قاطعنى 21 يومًا رغم محاولاتى للتراسل معه فكان يرسل التأشيرة دون التحدث معى، وفى اليوم الأخير قال لى: «لكى تتعلم احترام المواعيد ستذهب مع صفوت الشريف إلى الرئيس معمر القذافى، وهو مشوار ستتعلم فيه الأدب، وستركب حتى السلوم ثم تستقل طائرة إلى ليبيا ثم طائرة إلى مدينة سيرت ومنها تتحرك إلى مكان العقيد»، واستطرد قائلاً وهو يضحك «وبالمناسبة قطع غيار الطائرات ممنوعة عن ليبيا بحكم العقوبات المفروضة عليها»، وهو يعلم أنى لم أكن محبًا للطيران.
ومتى منحك مكافأة؟
منحنى تقرير امتياز بخط يده فقد سألنى من يكتب تقريرى السرى، فأخبرته أنه ربما أسامة الباز أو عصمت عبدالمجيد، فأجابنى بأنه سيكتبه بنفسه وطلب استمارة من الخارجية وكتب عليها ممتاز ثم وضع توقيعه، وبعدها تم ترقيتى استثنائياً إلى وزير مفوض عام 1987.
هل كنت تتمنى أن تصبح وزيرا؟
انتابنى هذا الهاجس حتى التسعينيات، وفى يوم فاجأنى «مبارك» بقوله «إنت عايز تبقى وزير ده فيه رؤساء دول عربية يستشهدون بكلامك وأنا أعتقدت أنهم يتحدثون عن شخص آخر لاتفاجأ أنهم يتحدثون عنك»، وعندما ذهبت إلى النمسا تلاشى هذا الحلم نهائياً.
كيف تم تأليب الرئيس مبارك عليك؟
لم ينقلب على، كانت هناك مشكلة تخص لوسى أرتين، فقام بإبعاد كل من تحدثت معهم هاتفياً، وكان المقصود هو تصفية المشير أبو غزالة سياسياً، وبعد عامين فى حفل زفاف ابنتى تلقيت اتصالاً منه يخبرنى بحضور ابنائه علاء وجمال، ومازحنى «من الراقصة التى ستحيى الحفل؟» فأخبرته أننى أريد إحضار الراقصة لوسى، ولكنى خشيت أن تصل إليك «لوسى أرتين» فضحك الرئيس بشدة، وبعد عشر دقائق تلقيت اتصالاً من اللواء عمر سليمان وقال لى «ملعوبة».
ما أشهر المعارك التى شاركت فيها؟
معركة إسقاط الديون عام 1992 التى قادها السفير عبدالرؤوف الريدى من واشنطن والرئيس من حديقة منزله وأنا إلى جانبه، أحضر اسم عضو الكونجرس ورقمه ونتصل به، تواصل مع ما يقرب من 110 أعضاء فى الكونجرس لإقناعهم، لأن الرئيس جورج بوش الأب أخبره أن الإدارة سوف توافق ولكن من يأخذ القرار هو الكونجرس، فتواصل معهم جميعًا.
وفى حياتى حكمتنى قضيتان أساسيتان الأولى هى الوحدة العربية على أسس علمية مدروسة والثانية هى الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط .
كيف تعرفت على زوجتك؟ وما مكانة الأسرة فى حياتك؟
زوجتى هى السيدة نجوى متولى كنا سويًا فى منظمة الشباب الاشتراكى، وهى كانت خريجة ثانوية عامة وأنا خريج الكلية، وقد كان تعارفنا فى معسكر بالإسكندرية عام 1966، وكان لديها مشكلة فتدخلت لدى الدكتور مفيد شهاب لحلها ولهذا كان يقول إنه السبب فى زواجنا وبعدها تمت خطبتنا واشترط والدها أن تكمل دراستها الجامعية قبل الزواج.
وعندما تم تعيينى فى الخارجية شعرت بضيق لرغبتى أن أكون معيدًا فى معهد الدراسات الاشتراكية، لكن والدها كان سعيدا من أجل ابنته لكونها سوف تصبح زوجة سفير.
ما هى أحب البلاد إلى قلبك التى لا تمل من زيارتها؟
لندن ثم لندن فقد أنجبت فيها ابنتى سلمى وسارة، وهى أم المدائن ففيها السياحة والعلاج والثقافة والدراسة والتسوق وعندما تهبط فيها الطائرة فكأنها هبطت بى فى تفتيش المغازى مركز المحمودية فى البحيرة.
من هى الشخصية العالمية التى كنت تهتم بحضور لقاءتها؟
شخصيات عدة فقد اقتربت من كورت فالدهايم، أمين عام الأمم المتحدة سابقًا، وكان رئيس النمسا مرتين، وطلب منى أن أكتب مقدمة كتابه حينما كنت سفيرًا فى فيينا، الذى يرد فيه على اتهامات اليهود له بأنه كان نازيا.
من هم أقرب الأصدقاء إليك؟
عبدالمجيد محمود، النائب العام السابق، وزوج شقيقتى عادل أبو النصر، والدكتور زاهى حواس، ولى عدد كبير من الأصدقاء ولكن الدائرة المقربة صغيرة.
ماذا تفعل فى أوقات فراغك؟
أحب مشاهدة الأفلام القديمة والاستماع إلى أغانى أم كلثوم وهو ما كان يشاركنى بها الدكتور أحمد زويل، الذى كان يقول إنه أخذ جائزة نوبل على صوت أم كلثوم، ولقاء الأصدقاء.
من هو الأديب الذى تحب قراءة كتبه؟
توفيق الحكيم أبو المسرح المصرى وهو أكثر الكتاب عمقًا فى الفلسفة وذكاء فى التفكير، وبالطبع يوسف إدريس الذى اقتربت منه أثناء فترة علاجه فى لندن، وجاء لزيارتى فى الهند والتقى أنديرا غاندى وظل يقبل يديها، حتى نجيب محفوظ أرسل لى برقية عقب كتابة مقال عن جائزة نوبل قلت فيها إن توفيق الحكيم كان الأحق وأنها لم تمنح إلا فى السنة التالية لرحيل «الحكيم»، قال فيها «أنت منصف ومقالك عادل».
هل كانت رئاسة مكتبة الإسكندرية من أحلامك؟
لم تكن؛ ولكنى سعدت بها لأنها كانت بمثابة التتويج لمجمل أعمالى، لم أوفق فى الوصول لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية فعوضنى الله بمنصب لا يقل مكانة عنه.
فى رأيك ما الذى تحقق لمصر خلال فترة رئاسة عبدالفتاح السيسى؟
تحقق الكثير لأول مرة أرى رئيسا يفعل أكثر مما يتحدث ويقدم إنجازات على الأرض تتحدث عن نفسها، وهو يقتحم الآن ميدان الصناعة والزراعة لتوفير حياة أفضل، ولكن الظروف لا تساعد؛ جائحة كورونا من جانب والإرهاب من جانب آخر، ثم وضع الحرب فى روسيا وأوكرانيا بالإضافة لدرجة الحقد على مصر فى كثير من الدوائر العالمية.
ما هو الحلم الذى لم تحققه حتى الآن؟
حققت معظم أحلامى، الحلم الوحيد الباقى أن يعطينى الله الصحة وأن يجعل خير ايامى خواتيمها، وأن يبارك فى أحفادى؛ أكبرهم يدرس الدكتوراه وحصل على الماجستير من جامعة أكسفورد، والأصغر مازال طالبًا وهو مغرم بكرة القدم بجنون بالفرق الأوروبية، وهؤلاء هم الحصاد الذى نلته من الدنيا، بناتى وأحفادى.
هل ندمت على شىء فى حياتك؟
أنا راض عن نفسى وعن علاقاتى مع الآخرين فأنا لم أقم بالإساءة إلى أحد، وطوال فترة عملى فى الرئاسة لم تكن العلاقات الشخصية هى معيار معاملاتى بل كان الإخلاص والصدق ولذلك ما أطلب مسئولا فى مصر إلا ويجيب على بمحبة.
حوار- أمل الجيار
جريدة الأهرام، 3 يونيو 2022
https://gate.ahram.org.eg/daily/News/204138/83/856106/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D9%85%D8%B5%D8%B7%D9%81%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%82%D9%89-%D9%84%D9%80%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%87%D8%B1%D8%A7%D9%85-%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%B5%D9%88%D9%86-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A3%D9%86-%D8%AA%D8%A4%D8%AF%D9%89-%D8%A7.aspx