تتم دعوتى إلى منتديات كثيرة وأجدنى متحدثًا فيها بإرادتى أو بضغط من أصحابها، ولكن الذى كان يعنينى دائمًا هو الحديث إلى مجموعة من الشباب الصاحب الحقيقى للمستقبل والمستحق بغير جدال لكل رعاية منا مهما كانت الظروف أو بلغت التحديات، وقد ألقيت مؤخرًا محاضرات فى جامعات عربية وأجنبية امتدت من «ليفربول» إلى «أكسفورد» وقد لفت نظرى اهتمام غير المصريين بـ«مصر» وغرامهم الشديد بها فى حلوها ومرها، وقد استقرت لديّ طائفة من الانطباعات حول ما لمسته من آراء ومواقف تجاه «مصر» وأهلها ويمكن أن ألخص ذلك فى بعض النقاط أسرد الهام منها:
أولًا: إن صورة «مصر» فى الخارج قد تكون سيئة فى بعض الدوائر السياسية أو الدبلوماسية ولكنها ليست كذلك على الإطلاق فى معظم الدوائر الأكاديمية والثقافية بل إننى استمعت إلى حديث مباشر لأحد الأساتذة المعروفين فى «جامعة أكسفورد» والذين لا ينتمون لاتجاه سياسى معين لقد قال ذلك الرجل: إننا نتابع ما يجرى فى «مصر» بانبهار برغم الدعايات التى تروج لها جماعات معادية لما يحدث فى بلادكم، وأستطيع أن أقول إن الرئيس «السيسي» يمضى كالقطار السريع الذى لا ينظر خلفه ولكنه يتطلع إلى الأمام ليبنى المستقبل، كما أبدى كثيرون تعاطفهم الشديد معنا تحت حصار إعلامى غير مقدس تشارك فيه الـ «سى إن إن» الأمريكية والـ «بى بى سي» البريطانية ومحطة «الجزيرة العربية» ومع ذلك فإن «مصر» تمضى فى طريقها.
ثانيًا: إن هناك توقعات إيجابية تتصل بالاقتصاد القومى المصرى وتشده إلى آفاق عالية يتطلع إليها المصريون للخروج من عنق الزجاجة والاتجاه إلى أوضاع جديدة تنخفض بها معدلات الفقر وتتزايد فرص الاستثمار وتتوفر الوظائف الجديدة فضلًا عن أن اكتشاف الغاز فى مياه البحر قد أعطى للاقتصاد المصرى قبلة الحياة.
ثالثًا: إن روح الشباب فى كل التجمعات التى التقيت بأصحابها أو حاضرت فيها فى الداخل والخارج كانت كلها مبعث الأمل والشعور بالارتياح لأن الأجيال الجديدة شديدة الجدية فى سعيها نحو مستقبل أفضل، فضلًا عن أن مفهوم «الشاب العالمي» قد أصبح يقترب من بلدنا ولم تعد هناك تلك الفوارق الضخمة بين الشاب المصرى والشاب اليابانى أو الأمريكى أو غيرهما إذ إن معلوماتهم جميعًا تأتى من مصدر واحد هو «الإنترنت»، لذلك فإن الجدل بين بعض الأطراف فى سبل معينة يبدو شاقًا وغير واضح فكل طرف يزعم أن لديه الحقيقة المطلقة ولا يسلم بخيارات الطرف الآخر، وتلك فى ظنى هى قمة المأساة خصوصًا عندما يتعلق الأمر بقضايا تمس الوطن ومصالحه العليا فالأوطان يبنيها الإنسان ولكن قد يطويها النسيان.
رابعًا: يردد الكثيرون فى داخل «مصر» وخارجها أن السياسة الخارجية المصرية تتسم بقدر كبير من التوازن والرصانة ولم تقع أسيرة موقف معين دون سواه ولم يجرفها التيار بعيدًا عن الحق والحقيقة فالكل لازال يضرب المثل بالموقف المصرى تجاه «الدولة السورية»، فـ«القاهرة» هى العاصمة الوحيدة التى ارتفع منها صوت نداء يشيد بالشعب السورى ويتمسك معه بوحدة أراضيه ويرفض كل التنازلات وكافة الأساليب الملتوية للنيل منه ولا ينحاز إلى طرف إلا لذلك الشعب الأبى الذى تحول معظم سكانه إلى لاجئين أو معدمين وذلك إن لم يكونوا شهداء أو أشلاء أو دماء فقد كان دافع «مصر» دائمًا هو رفع المعاناة عن الشعب السورى واحترام وحدة ترابه المقدس والحيلولة دون العبث بخريطة المشرق العربى كما يتوهمون، فلم يكن يعنى «مصر» أبدًا أن يبقى «بشار» أو يرحل ولكن الذى كان يعنيها ولا يزال هو رفع المعاناة عن الشعب السورى البطل وتمكينه من استعادة دوره.
تحية للشباب الذى حاورنى والأستاذ الذى هاجمنى وكل من اتفق معى أو اختلفت معه إذ إن فلسفتنا فى الحديث تقوم على ما قاله «الإمام الشافعى» (رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب).
د. مصطفي الفقي;
جريدة المصري اليوم العدد 5064
تاريخ النشر: 25 ابريل 2018
رابط المقال: https://www.almasryalyoum.com/news/details/1284506