أثار فى ذهنى ما كتبه الأستاذ «وحيد حامد» وهو رجل يحظى بتقدير خاص لدى الكثيرين لكفاءته الفنية فى عالم الأدب والسينما فضلًا عن شجاعته الشخصية فى عالم الرأى والفكر، ولا شك أننا جميعًا حريصون على ذلك الصرح العظيم وهو مستشفى «سرطان الأطفال» ولا شك أيضًا فى أن ما أثير حولها سوف يأخذ مجراه فى ظل القانون مع كل الاحترام للعاملين فيها والقائمين عليها، ولكن الأمر أثار فى ذهنى اسم الدكتور «أسامة سليمان» الجراح المصرى الشهير وصاحب المكانة الرفيعة فى تخصصه فمصر تتيه بأسماء لامعة فى هذا الميدان نذكر منها الراحل «إبراهيم بدران» حتى نصل إلى جيل «أسامة سليمان» و«راضى سعد» وغيرهما من أساطين الجراحة فى الطب المصرى الحديث، ولقد تولى الدكتور «أسامة سليمان» رئاسة «مجلس أمناء مستشفى الأطفال» لفترة قصيرة بعد ثورة «25 يناير» حيث كانت تشغل ذلك الموقع قبله السيدة «سوزان مبارك» صاحبة الدور الكبير فى إنشاء هذا الصرح الضخم متعاونة مع المجتمع المدنى والجهود الخيرية التى قادتها الراحلة «علا غبور» والتى توافدت طوابير العزاء أمام الكنيسة فى «الزمالك» يوم توديعها إلى الملأ الأعلى تكريمًا لها واعترافًا بفضلها، ولقد ترك الدكتور «أسامة سليمان» موقعه فى مستشفى «سرطان الأطفال» فى ظروف غامضة ودون تفسير واضح والرجل معروف بداية باستقامة الخلق ونظافة اليد وطهارة النفس مع مسحة تدين معتدل، تجعله دائمًا محل التوقير والاحترام، ولقد ربطتنى به صلات طويلة تمتد لعشرات السنين وشعرت أنا وكل أصدقائى بنجدته لمن يحتاجه والوقوف إلى جانب من يريد منه العون، ولا أنسى أبدًا انصرافه المبكر من أى سهرة مهما كان بريقها حتى يستيقظ مع ساعات الفجر الأولى، ويبدأ جراحاته مع شروق الشمس، ويبدو كالمتبتل فى محراب علمه مع القدرة على التطور السريع وفقًا لأحدث أساليب الجراحة فى الدول المتقدمة، وأنا أشعر دائمًا بالاحترام للأطباء عمومًا والجراحين خصوصًا لأنهم يقفون إلى جانب الحياة فى اللحظات الصعبة من حياة البشر.
ولقد أديت العمرة مع الدكتور «أسامة سليمان» وبعض الأصدقاء المشتركين ورأيت تواضعه وبساطته وصلته المباشرة بالخالق فى الطواف والسعى، ولا عجب فهو ابن أستاذ فى الطب شغل مواقع قيادية فى الجامعات المصرية، وكان معروفًا بتدينه وصلاحه وحبه للخير، ولقد تولى الدكتور «أسامة سليمان» منصب مدير «معهد الأورام» من قبل وظل دائمًا محافظًا على قيمه محترمًا لمهنته حريصًا على مرضاه فقيرهم قبل غنيهم بل إننى أراه أحيانًا منحازًا إلى بسطاء الناس بأولوية واضحة لذلك فإننى أدعو المجتمع المصرى إلى تكريم رموزه فى مدرسة الطب المصرية وتخصص الجراحة خصوصًا تلك المتصلة بالأورام الخبيثة واستئصال الداء من أحشاء البشر فهم بالتأكيد جنود الحياة أمام شبح الموت، فهم لا ينتظرون تكريمًا ولكن الاعتراف بفضلهم فى حياتهم أمر واجب وفريضة حاضرة لأنه لا يشكر الله من لا يشكر الناس، وقد قال تعالى «ولا تبخسوا الناس أشياءهم» إننى أحيى صديقى «أسامة سليمان» والكوكبة المضيئة فى مدرسة الجراحة المصرية التى امتدت من بدايات القرن التاسع عشر، وهى صدى للطب الفرعونى الذى برع فيه أجدادنا ومارسوا الجراحة على نحو متقدم كما تنطق بذلك نقوش المعابد وتماثيل الحكام والكهنة والشرائح العليا من المجتمع المصرى الفرعونى، وأنا لا أكتب اليوم بدافع الصداقة بل إننى أحيى فى شخص «أسامة سليمان» كل مصرى مخلص وكل نطاسى بارع وكل جراح ماهر، وأتذكر من هذه الكوكبة ذلك الرجل صاحب اليد الذهبية جراح القلوب المفتوحة «مجدى يعقوب».. تحية «لأسامة سليمان» العالم والجراح والإنسان.
د. مصطفى الفقى;
جريدة المصري اليوم العدد ٥١٤٨
تاريخ النشر: 18 يوليو 2018
رابط المقال: https://www.almasryalyoum.com/news/details/1308009