لا يعرف الكثيرون أنه بقدر جدِّية الرَّئيس الأسبق «مبارك» أثناء العمل بقدر جلساته المفتوحة والمرحة مع من يثق فيهم؛ فهو لا يرفض الدُّعابة الرَّاقية، ويستمع بإنصات لتجارب الآخرين فى المجالات المُختلفة، ويبدو بسيطًا للغاية مع الجميع.
وذات يوم فرغتُ من عملى بعرض البريد السياسى على الرَّئيس، فبادرنى الرَّئيس الأسبق قائلاً: لماذا هذه الاختلافات الدينية حول تحريم الخمر؟! وأضاف: إننى أراها بحقٍّ مُحرَّمةً بوضوح فى كل الدِّيانات، فقُلتُ له: يا سيادة الرئيس، إن التَّحريم ينصرف إلى السُّكْر بها، وليس تناولها وحده، فأنا أظنُّ أن من يشرب كأسًا لا يصل به إلى حدِّ الثُّمالة ليس كمن يشرب حتى يصل إلى حالة سُكْر شديد يُسىء فيها الحديث ويخرج عن قواعد الاتِّزان والاحترام ويتطاول على الآخرين، فتلك هى حكمة التَّحريم من وجهة نظرى، فداعبنى الرَّئيس قائلاً: إنك لست شيخَ الإسلام حتى تُفتى، دعنِ أُسمِعكَ الرَّأى الدينى الصحيح.
ونادى على سكرتيره الخاص الراحل «جمال عبدالعزيز»، وقال له: اطلب لى الشيخ «محمد»، وعرفتُ فيما بعد أنه كان يقصد الشيخ «محمد نجيب» واعظ القوات الجوية فترة وجود الفريق «حسنى مبارك» على قمَّتها، وقام السيد «جمال عبدالعزيز» بإجراء الاتِّصال، وأحال المُكالمة للرئيس الذى رأيتُه يستقبلها بشىءٍ من الدَّهشة بدت على وجهه، وبدا وكأنه يتدارَك خطأ قد وقع، وسمعتُه يقول للمُتحدِّث على الطرف الثَّانى: إننى أردتُ فقطالسُّؤال عن خادم الحرمين الشريفين الملك «فهد»، وأتمنَّى له الصِّحة الدَّائمة، ثم أغلق الخطَّ ونظر إلى السيد «جمال عبدالعزيز» نظرةَ عتابٍ قاسيةً، لأنه بدلاً من أن يأتى له بالشيخ «محمد نجيب» واعظ القوات الجوية، جاء إليه بالشيخ «محمد سليمان» سكرتير العاهل السعودى الرَّاحل.
ثم تطرَّق إلى الحديث فى موضوعاتٍ مُختلفةٍ، وبعد انتهائه قال لى السيد «جمال عبد العزيز» ونحن خارجان من مقر الرَّئيس: هل رأيتَ ما تسبَّبتَ لى فيه من توبيخ؟ وهل أنت عالم دين حتى يسألك الرَّئيس فى هذا الموضوع؟ فالأزهر موجود، وعلماؤه، والمُفتى حىٌّ يُرزق، ومعه مُساعدوه، فقُلتُ له: ولماذا تُوجِّه لى هذا الحديث؟! إنك تستطيع أن تسأل الرَّئيس لماذا أثار هذا الموضوع معى؟ فأنا فى ظنِّى أنه يفتح بابًا للجدل والنِّقاش والحوار الذى يجد فيه أحيانًا مُتعةً تُخفِّف عنه عُزلة الحُكَّام والإحساس بالوحدة الذى يُعانى منه الرُّؤساء.
وما أكثر المُلابسات التى تحدث بسبب تشابُه الأسماء، بل إن وزيرًا قبل ثورة عام 1952 قد جرى تعيينه رغم أنه لم يكن المقصود عندما أشار «النحاس باشا» باستدعائه لأداء اليمين، فقد كان شخصًا آخرَ غيرَ الذى كان يقصده رئيس الوزراء، وتكرَّر نفس الأمر فى عصر الرَّئيس السادات، ولكن هذه الأحداث الفرعية تضيع فى غمار العمل، وزحام الحياة، وأظنُّ أن الفنَّان الرَّاحل «أحمد زكى» قد قدَّم للسينما المصرية فيلمًا يدور حول هذه المُفارقة، وما أكثر ما يتعرَّض له المرءُ من تشابُه الأسماء أو تداخُل المُكالمات، وأذكر أنه منذ سنوات قليلة كان يُقلق مضجعى كل صباح فى حوالى الساعة السادسة والنصف، أو السابعة، مُكالمات عديدة من أطفالذاهبين إلى المدرسة، ويسألون إذا كان (عمُّو كامل) سائق أتوبيس المدرسة سوف يمرُّ بميدان «تريومف»، أو «سانت فاتيما»، وكُنتُ أُحاول عبثًا أن أُقنع الأطفال بأننى لستُ (عمُّو كامل) المقصود، وهم يُكرِّرون نفسالاتِّصال يوميًّا تقريبًا إلى أن سألتُهم عن رقم التليفون الذى معهم ووجدتُه مُشابهًا لرقم تليفونى والاختلاف هو فى رقم واحد فقط، وظللتُ أُعانى فترةً طويلةً إلى أن قرَّرتُ إغلاق هاتفى المحمول كل صباح حتى انتهت هذه الظَّاهرة المُعقَّدة، خصوصًا أننى أردُّ على كل المُكالمات، حيث إنه لا يُوجد رقم واحد مُسجَّل على المحمول الخاص بى، ما يضطرنى إلى استقبال كل المُكالمات بلا استثناء.
إن قصَّة الشيخ «محمد نجيب» واعظ القوات الجوية، تُذكِّرنى دائمًا بضرورة التَّدقيق فى الاتِّصالات وتوخِّى الحذر فى كل المواقف، ومازلتُ أتذكَّر أثناء حرب تحرير الكويت اتصالاً هاتفيًّا بين الرَّئيس الأسبق مبارك والرَّئيس الأمريكى الأسبق بوش الأب، حيث قاطعهما سنترال «مرسى مطروح» أثناء المُكالمة التى كان يتلقَّاها الرَّئيس فى «برج العرب»، ومنذ ذلك الوقت طلب الرَّئيس الأسبق من الوزير الرَّاحل «سليمان متولى» توقُّف تدخُّل السنترالات أثناء المُكالمات مهما طالت.. إنها نوادر لا تغيب عن الذِّهن، وتكتمل بها صورة الواقع حتى بعد مُضيِّه!
مجلة 7 ايام
25 اغسطس 2018
https://www.7-ayam.com/%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af/