بعد أقل من عشر سنوات قادمة كيف ستكون الحالة المصرية؟ إن عام 2020 ليس بعيدا، فتسع سنوات ليست شيئا في عمر الأمم والشعوب فكيف سيكون الوطن بعدما يقرب من سبعين عاما من ثورة 1952؟! وعقد كامل تقريبا من الثورة الشعبية لعام 2011، دعونا نفكر ونتوقع بل ونأمل ونحلم ونصوغ الملامح الأساسية للدولة المصرية بعد أقل من عشر سنوات.
أولا: يتجه النظام السياسي في مصر للأخذ بملامح الدولة البرلمانية بعد أن قويت الأحزاب السياسية وجري بينها توافق عام علي القواعد الحاكمة للحياة الحزبية الحقيقية واتفقت كل الأطراف علي حدود العلاقة بين السياسة والدين وساعد علي دعم الاحزاب السياسية بدء انحسار الأمية وتحسن مسار العملية التعليمية واهتمام الأحزاب بالتربية السياسية لأنها مدارس لتخريج الكوادر المهيأة للعمل العام، وهاهي مقدمات الانتخابات البرلمانية القادمة 2021 توحي بدرجة معقولة من التوازن في عدد المقاعد بين الأحزاب المختلفة وانتهاء عصر طغيان الأغلبية الساحقة علي الأقلية المقهورة مع وقوف السلطة التنفيذية علي الحياد الكامل بين القوي السياسية المختلفة.
ثانيا: لقد تخلصت مصر من الحكم الفردي ومظاهر الفرعونية التي كانت تسيطر علي الحياة السياسية علي امتداد التاريخ المصري كله، فالرئيس يملك ولايحكم، ورئيس الوزراء ممثل حزب الأغلبية أو الائتلاف الحكم هو القوة التنفيذية الحقيقية في البلاد وهو الأول سياسيا بينما رئيس الجمهورية هو الأول بروتوكوليا باعتباره الحكم بين السلطات والواجهة الدستورية للبلاد دون أن تكون له صلاحيات تنفيذية أو تحكمه أهواء سياسية.
ثالثا: أصبح الوزراء سياسيين بالدرجة الأولي وفي كل وزارة وكيل دائم متخصص يدير دولاب العمل اليومي ويسير الأمور في وزارته بينما الوزير شخصية سياسية حزبية تضع الخطوط العريضة والسياسات العامة للقطاع الوزاري الذي يتولاه، ولقد حدثت طفرة هائلة في التعليم خصوصا في مجالات التأهيل الفني شبه الجامعي البوليتيكنك لتخريج أصحاب الخبرة المدربة في المجالات المختلفة والاكتفاء في التعليم الجامعي العالي بأصحاب المستويات الدراسية العالية، كما أصبح التعليم مجانا للمتفوقين فقط لأنه سلعة خدمية تقدم لمن يستحقها أسوة بما يجري في معظم دول العالم وليس في ذلك افتئات علي العدالة الاجتماعية إذ أن باب التفوق مفتوح وتكافؤ الفرص متاح.
رابعا: لقد دخلت مصر ميدان الاستخدام السلمي للطاقة النووية وأصبح لديها ثلاث محطات تخضع للاشراف العلمي بخبرات مصرية كاملة من علمائها الذين كانوا مشتتين بين الجامعات الامريكية والكندية أو العمل في الوكالة الدولية في فيينا إلي جانب ماجري استخدامه في بعض الدول العربية، كما أن مصر تملك الآن عدة مراكز دولية للأبحاث في المجالات المختلفة خصوصا أن البلاد قد حققت طفرات واسعة في مجال الصناعة وربطت بين انتاجها الزراعي وتصنيعها الغذائي ايضا ودخلت مرحلة الاكتفاء الذاتي من الحبوب الغذائية وزادت صادراتها بشكل واضح في السنوات الأخيرة.
خامسا: لقد توقف المصريون عن العدوان علي الأراضي الزراعية وتوسعوا في استصلاح الاراضي المجاورة للدلتا والوادي وارتفعت غلة الفدان بفضل التقنيات الزراعية الحديثة والاستخدام الأمثل لمياه الري المحدودة، كما ارتفع معدل التدفق السياحي حيث تجاوز هذا العام 25 مليون سائح ينتقلون بين آثار مصر الفريدة وشواطئها الرائعة ومنتجعاتها الجميلة خصوصا بعد أن تحول الساحل الشمالي إلي ريفيرا مصرية وفقا لخطة متكاملة، كما أن تقدم الخدمات في مجال الطيران و الفندقة و وسائل النقل قد أصبح يغري السائحين أكثر ويعطي انطباعا إيجابيا عن السياحة في مصر، بالاضافة إلي أن الخطوات التي اتخذتها الدولة في تعمير سيناء ونزع الألغام من الصحراء الغربية قد أعطت بعدا جديدا لما نسميه بـ سياحة الصحراء التي يقبل عليها الغربيون بمعدلات متزايدة كذلك فإن القرية المصرية قد تطورت بشكل ملحوظ مع ارتفاع نسبة التعليم واهتمام أبنائها من أصحاب القدرات المادية والعلمية بالتواصل معها حتي أصبحت وحدة انتاجية سواء في الدلتا أو الوادي.
سادسا: إن اتفاقية مياه النيل الأخيرة التي أنشأت منذ سنوات المنظمة الاقليمية لدول حوض مياه النهر وكذلك البرامج التنموية المشتركة التي تقودها مصر بين دول الحوض قد نجحت في تحقيق أقصي الاستفادة من مياه النهر، وأنهت تماما الخلافات التي كانت تحدث حول حصص دول الحوض بسبب المشروعات والسدود التي كانت تقام في بعض الدول دون توافق مع كافة الاطراف الأخري، فعلي الرغم من تقسيم السودان أكثر من مرة إلا أن حكومة الشمال فيه قد أصبحت أكثر قربا من مصر وأقل انغماسا في مغامرات وصراعات وتوجهات لامبرر لها، كما أن الدولة الليبية الديمقراطية علي الجانب الآخر قد فتحت آفاق التعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي بشكل يدعو إلي الارتياح خصوصا بعد الاسهام الكبير للخبرة والعمالة المصرية من خلال شركات الإعمار والبناء والتطوير بعد سقوط نظام القذافي منذ عدة سنوات.
سابعا: إن الصراع العربي الاسرائيلي قد بدأ يدخل مرحلة الرشد من الجانبين منذ أن قامت الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها في شرق القدس ورغم أن الصورة ليست وردية تماما إلا أن الدور الاقليمي لمصر قد أزدهر وعلي الرغم من ضعف جامعة الدول العربية إلا أن الدبلوماسية المصرية قد نجحت في مزاحمة دور كل من إسرائيل و تركيا و وإيران علي الساحل كما حققت نجاحات في دول القرن الافريقي، وتوثقت علاقاتها بشكل ملحوظ مع دولة اثيوبيا بسبب الروابط التاريخية والدينية بين الدولتين، وكان من نتائج ذلك أن رأت كل من دول مجلس التعاون الخليجي ودول مجلس الاتحاد المغاربي اعتبارا الشقيقة الكبري مصر عضوا مراقبا في كل منهما بترشيح من المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية الليبية.
ثامنا: لقد انتقلت العلاقات الامريكية المصرية من مرحلة المعونة إلي مرحلة التجارة from aid to Trade
وأصبحت واشنطن تنظر إلي القاهرة باعتبارها العاصمة العربية الأولي والعاصمة الأفريقية النشيطة والعاصمة الإسلامية المؤثرة، كما أن الاتحاد الأوروبي قد عزز اتفاقية الشراكة مع مصر التي أصبح لها دور رائد بين دول حوض البحر المتوسط بحيرة الحضارات باعتبارها الدولة الكبري علي شاطئه الجنوبي، وقد انفتحت مصر علي الساحة الآسيوية بشكل ملحوظ وتزايد التعاون بينها وبين الصين واليابان و الهند خصوصا بعد أن تحولت منظمة قناة السويس إلي منطقة جذب صناعي عالمي ومركز انتاجي دولي يزخر بالمناطق الحرة للدول المختلفة ولم تعد مجرد ممر مائي مثلما كان عليه حالها أكثر من قرن ونصف قرن من الزمان.
تاسعا: لقد أصبح الأزهر الشريف وشيخه المنتخب، والكنيسة القبطية والبابا الوطني منارتين للإلهام الروحي في دولة وطنية عصرية لاتعرف التعصب ولاتسمح بالتحيز ولاتقبل التهميش، تؤمن بالتسامح وتحترم النسيج الوطني المشترك بعد أن فتحت جامعة الأزهر أبوابها للمصريين جميعا بلا استثناء، وكأنما ظهر فينا أتاتورك عربي أو أردوغان مصري، لقد تغيرت الدنيا وإبتسمت لمصر بعد طول شقاء!
هذه نقاط تسع أحلم بتحقيقها بعد تسع سنوات وأسأل الله ألا أكون واهما.
جريدة الاهرام
19 سبتمبر 2011
http://www.ahram.org.eg/Archive/661/2011/9/19/4/102220.aspx